تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثاني: تجدد الاشياء اي وقوع الشيء في وقت دون وقت، فهذا يثبته اهل السنة لله تعالى اي ان الله تعالى يتكلم في وقت دون وقت اي يفعل ذلك في اي وقت شاء، كما انه يرزق، ويحيي، ويميت، ويعز ويذل من شاء ... (كل يوم هو في شان).

ومن هذا النوع قوله تعالى: (َما يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ). [الأنبياء: 2] وليس المراد بالمحدث هنا المعنى الاول اي المخلوق بل المعنى الثاني وبذلك لايبقى للمعتزلة حجة بالاحتجاج بهذه الاية على خلق القران، فانظر كيف انتظمت الادلة على جميع المسائل ولا يوجد بينها تناقض في كل مجالات العقيدة بل يشد بعضها بعضا.

نرجع للسؤال:

لماذا رفض المتكلمون ومن ضمنهم الاشعرية الاعتراف بذلك؟

اليك البيان:

ان المتكلمين اثبتوا وجود الصانع (هذا اصطلاحهم) وفق الطريقة التالية وهي الطريقة المنطقية ولا اريد الخوض في تفاصيل اكثر حول المنطق فلهذا موضع اخر، وذلك ليردوا على الملاحدة والسوفسطائية الذين ينكرون وجود خالق لهذا العالم.

البرهان العقلي للمتكلمين على اثبات وجود الصانع:

(باختصار):

برهان عقلي مكون من مقدمة كبرى وصغرى ونتيجة:

العالم حادث- كل حادث له محدث = العالم له محدث.

فاعترض عليهم الملاحدة وقالوا:

لانسلم ان العالم حادث.

فاجابهم المتكلمون:

ان العالم حادث والبرهان العقلي على ذلك هو:

العالم متغير- وكل متغير حادث= العالم حادث.

هذه اهم الادلة العقلية للمتكلمين ضد الملاحدة وعليه قامت عقائد اهل الكلام بل هو اصل اصولهم، وكل المسائل التي ذكروها في الاسماء والصفات انما قائم على هذا الاصل.

ويالتامل فيه نجد فيه ثغرات كبيرة.

مما جرأ الملاحدة عليهم.

ولهذا قال فيهم شيخ الاسلام:

اهل الكلام، لا للاسلام نصروا، ولا للكفار كسروا.

ومن اهم المؤاخذات على دليله هذا _ على وجه السرعة_:

1 - انهم قالوا (العالم متغير) فقال لهم الملاحدة: لانسلم ان اصل المادة متغيرة بل هو تغيير في المظاهر والاوصاف فقط. والعالم قديم وانما يحصل التغيير في الاوصاف والهيئات مثل الرياح والامطار وغير ذلك.

اما اصل المادة فهو قديم.

ماذا فعل المتكلمون بعد هذا الاعتراض هل سكتوا؟

ج: لا، لم يسكتوا، بل اخترعوا نظرية الجوهر الفرد. ولا اريد الخوض في تفاصيلها حتى لايطول الكلام.

وخلاصتها انهم لم يخرجوا بطائل من ورائها ومحصل كلامهم يرجع الى التوقف والحيرة، ولهذا انكر كثير منهم هذه النظرية، واصبحوا على مذاهب شتى.

فانهزموا اما الملاحدة.

والكلام يطول فلنكف عنان القلم ولنرجع الى سؤالنا:

من خلال الكلام المتقدم يتضح لنا ما يلي:

ان اصل البرهان العقلي عند المتكلمين على ان العالم حادث هو انه متغير.

بعبارة اخرى:

ان طروء التغيير على شيء هو علامة على حدوثه.

اي ان حصول التغيير على شيء يدل على انه مخلوق.

ارى انه اصبح الان واضحا لماذا انكروا الصفات الاختيارية.

ولمزيد التوضيح:

ان الصفات الاختيارية تحصل في وقت دون وقت، كما تقدم.

واذا اثبتوا الصفات الاختيارية فهم بين امرين:

الاول: اما ان يثبتوا الصفات الاختيارية لله تعالى ويقولوا ان حصول التغيير لايدل على حدوث الشيء ولكنهم بهذا يهدمون الاصل الذي بنوا عليه في اثبات وجود الله تعالى.

الثاني: ان يحافظوا على الاصل الذي بنوا عليه في اثبات وجود الله تعالى وينفوا الصفات الاختيارية.

وهم اختاروا الامر الثاني.

صارت الان النتيجة كالتالي:

انكروا الصفات الاختيارية لاجل المحافظة على برهانهم العقلي.

فانظر الى اثار هذا الاصل الى اين اوصلتهم؟!

ولذلك اذا وجدت لهم كلاما ينفون فيه قيام الحوادث عن الله تعالى فانما يقصدون به هذا المقصد اي نفي الصفات الاختيارية.

ولهذا من قال: قيام الحوادث بذات الله ممتنع.

ماذا نقول له؟

نقول:

نطبق القاعدة المعروفة في الالفاظ المجملة المحدثة سواء كانت اثباتا ام نفيا وهي:

اولا:

لانصف الله تعالى الا بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله في الكتاب والسنة الصحيحة، سواء كان ذلك اثباتا او نفيا،وكلامك هذا محدث فلا يجوز.

ثانيا:

التفصيل:

- اذا كنت تقصد بقولك (الحوادث) المخلوقات فكلامك صحيح.

- وان كنت تقصد بقولك (الحوادث) الصفات المتجددة فكلامك باطل.

وهذه قاعدة معروفة، ولبسط هذا موضع اخر.

وقد تجد بعض المصنفين من اهل السنة يعبرون عن الصفات الختيارية هكذا:

الصفات الاختيارية اصلها قديم واحادها متجدد.

وبعضهم يقول:

النوع قديم، والآحاد متجدد.

فيستخدمون لفظة متجدد بدلا من لفظة حادث ابتعادا عن اللبس.

ومن خلال ماتقدم يتضح لنا يضا الفرق بين اثبات اهل السنة لصفة الكلام وبين اثبات الاشاعرة لصفة الكلام.

اهل السنةيقولون:

صفة الكلام اصلها قديم واحادها متجددة.

(اصلها قديم) اي ان الله تعالى لايوجد نقطة بداية اتصف بصفة الكلام عندها بل انه جل شانه لم يزل متصفا بها ازلا وابدا.

(آحادها متجددة) اي ان الله تعالى يتكلم في وقت دون وقت، كسائر الصفات الاختيارية.

اما الاشاعرة فانطلاقا من نفيهم للصفات الاختيارية فيثبتون ان اصل الصفة قديمة.

فاعترض عليهم:

هناك ايات واحاديث تدل على ان الله تعالى يتكلم في وقت دون وقت؟

فخرجوا علينا بنظرية جديدة:

وهي نظرية الكلام النفسي.

كل ذلك لاجل المحافظة على اصلهم المتقدم.

فانظر يا اخي الى خطورة التاصيل.

ولبسط هذا موضع اخر.

ولهذا يخطىء من يقول ان اهل السنة والاشاعرة متفقون على اثبات صفة الكلام فانهم متفقون على ذلك لفظا، اما من ناحية المعنى والمضمون فاثبات اهل السنة لصفة الكلام يختلف تماما عن اثبات الاشاعرة لصفة الكلام.

وهذا اوان وضع سن القلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير