تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الأول: أن الطواف بالبيت عبادة بإجماع الأمة على اختلاف طوائفها كما في المبسوط للسرخسي الحنفي 4/ 43 (الطواف عبادة مقصودة) وفي حاشية ابن عابدين (الطواف عبادة مستقلة في ذاته كما هو ركن للحج) وكذا نص عليه في مواهب الجليل على مختصر خليل في مذهب مالك 3/ 107 (الطواف عبادة بدنية) وفي المجموع للنووي الشافعي 8/ 15 (ومن شرط الطواف الطهارة لقوله صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلاة) وفي مغني المحتاج 1/ 494 (الطواف عبادة يتقرب بها وحدها) وفي كشاف القناع في فقه الحنابلة 2/ 482 (الطواف عبادة) بل الطواف نوع من أنواع الصلوات بنص الشارع كما في قوله تعالى (وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) (الأنفال 35) فسمى القرآن طوافهم بالبيت الحرام صلاة وقد جاء عن ابن عباس تفسير هذه الآية (كانت قريش تطوف بالبيت تصفق وتصفر) كما جاء في السنن عنه صلى الله عليه وسلم قوله (الطواف بالبيت صلاة) ولهذا جعل الطواف بالبيت تحية لمن دخله بدل ركعتي دخول المسجد مما يؤكد كون الطواف بالبيت صلاة وعبادة مستقلة.

وإذا ثبت كون الطواف بالبيت عبادة وصلاة شرعا فقد أمر الله عز وجل عباده بتوحيده وإفراده وحده لا شريك له بها كما قال تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) (الأنعام 163) قال ابن كثير نقلا عن السلف في تفسيرها (أي أخلص له صلاتك وذبيحتك) ومثله قوله تعالى (فصل لربك وانحر) أي أفرده وحده لا شريك له بالصلوات والذبائح كما قال ابن جرير الطبري في تفسيره (أي اجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان) فيدخل في عموم قوله (إن صلاتي ونسكي) وفي قوله (صل لربك وانحر) كل ما يصدق عليه أنه صلاة ونسك شرعا ومن ذلك الطواف الذي سماه الشارع صلاة وكذا الدعاء كما في الحديث (الدعاء هو العبادة) كما قال تعالى (فادعوه مخلصين له الدين) أي ادعوا الله وحده لا شريك له حال كونكم مخلصين له في دعائكم وتوجهكم وتوسلكم إذ الدعاء هو المقصود من كل مظاهر العبادة البدنية والمالية فالغاية عند كل عابد في صلواته وحجه وذبحه وصدقته أن يدعو الله فيقبل الله دعاءه وتضرعه وتوسله.

ومما يؤكد ضرورة إخلاص الدعاء لله وحده قوله تعالى في شأن المشركين (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) (العنكبوت 65) وقال أيضا (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين) (لقمان 32) أي مخلصين له الدعاء وقت الشدة فسمى دعاءهم لله وحده في تلك الحال إخلاصا للدين وجعل الدعاء هو الدين لأنه أبرز مظاهر العبودية بل هو المقصود من كل الصلوات والقربات والعبادات والطاعات ولهذا قال تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).

وكما ثبت كون الطواف صلاة يجب الإخلاص فيه كذلك يدخل الطواف في عموم النسك وكل ما يصدق عليه أنه نسك شرعا يجب الإخلاص فيه لله وحده ومن ذلك الحج والعمرة والطواف وسوق الهدي للذبح فكل ذلك يجب الإخلاص فيه لله وحده لا شريك له وعدم صرف شيء من تلك العبادات لغيره ففي لسان العرب (النسك العبادة والطاعة وكل ما يتقرب إلى الله به والمنسك في كلام العرب الموضع المعتاد الذي تعتاده ومنه سميت المناسك في الحج ثم سميت أمور الحج كلها مناسك).

وعليه فالطواف بالبيت كما أنه صلاة بنص الشارع فهو كذلك نسك من مناسك الحج والعمرة بل ركن لا يتم الحج والعمرة إلا به كما قال تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) فإذا كان الطواف صلاة ونسك فهو يدخل دخولا قطعيا في عموم قوله تعالى (قل إن صلاتي ونسكي) الذي أوجب الله على عباده توحيده وإفراده وحده في التقرب إليه بهما وإخلاصه وعدم الإشراك معه غيره فيهما.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير