تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الخامس: أن قول الدكتور الفاضل بأن الطواف بالبيت الحرام ليس عبادة للبيت وبناء على ذلك فالطواف بالقبر ليس عبادة للقبر قول باطل وتخليط ظاهر إذ أن البيت الحرام هو أول مسجد وبيت وضع في الأرض لعبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا هدى للعالمين) وأول الناس هو آدم وذريته فالبيت الحرام كان منذ عهد آدم مكانا لعبادة الله تعالى والطواف به صلاة من الصلوات كالسجود والركوع كما قال تعالى لنبيه إبراهيم (أن طهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) فقد قدم ذكر الطائفين على ذكر من سواهم من الساجدين والعاكفين فكما أنهم يستقبلون البيت في الركوع والسجود عبادة لله وحده لا شريك له لا عبادة للقبلة والبيت ذاته فكذلك يطوفون به عبادة لله لا للبيت ذاته وإنما البيت مكانا ومثابة للعبادة فهو ظرف مكاني للعبادة فقط يعبد الناس فيه الله وحده لا شريك له فالعبادة إنما هي لرب البيت الحرام وهو الله جل وعلا وكذلك الطواف بالقبور ليس لذات القبور بل لأرباب القبور وأصحابها المقبورين فيها فلا أحد يحج إلى قبر من القبور ويتمسح به ويتوسل ويطوف به ويذبح عنده من أجل حجارة القبر ذاتها بل من أجل صاحب القبر ظنا منهم أنه يضر وينفع أو أنه يقرب إلى الله زلفى كما كانت فتنة المشركين في كل زمان (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ولولا ذلك لما كانت هناك قبور مخصوصة هي المحجوج إليها والمقصودة وحدها دون غيرها من القبور بهذه المظاهر الشركية كقبر السيد البدوي والعباس والحسين والجيلاني فدل ذلك على أن المقصود هم الموتى الذين في القبور ولو فرض أن أحدا حج وشد الرحال إلى حجر من الأحجار وطاف به على سبيل العبادة والقربى تعظيما لهذا الحجر لكان مشركا بهذا الفعل ولصار الحجر وثنا من الأوثان وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح على شجرة يتبرك بها المشركون ويضعون عليها أسلحتهم طلبا للبركة فقال الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال صلى الله عليه وسلم (لا إله إلا الله إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة) فقد جعل الشارع اتخاذ شجرة للتبرك بها كاتخاذها إلها من دون الله!

الوجه السادس: أنه على فرض أن الحج إلى القبور والطواف بها والتوسل عندها واتخاذها مساجد ومكانا للعبادة ومنسكا لتقريب القرابين والذبائح لها ليس شركا بأصحاب القبور فهذا لا يعني أنها ليست كفرا حتى لو فرض أنهم إنما يقومون بهذه الشعائر والمناسك عبادة لله وحده لا شريك له إذ فعلهم هذا يدخل في قوله تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وفي قوله تعالى (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطنا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (الأعراف 33) فجعل سبحانه وتعالى القول عليه بلا علم عنه وتشريع دين بلا إذن منه كالشرك به سبحانه وتعالى فمن ادعى أن مثل تلك المظاهر مشروعة في دين الله أو من القربات إليه فقد افترى على الله عز وجل (ومن أظلم ممن افترى على الله) وقد نقل أبو الوفاء ابن عقيل الإجماع على أن من ادعى أن الرقص قربة إلى الله تعالى كفر لأن القرب لا تعرف إلا بالشرع فالعبادات موقوفة على إذن الشارع وحده فالحكم والتشريع والتحليل والتحريم إليه وحده لا شريك له وقد قال تعالى في شأن الأحبار والرهبان (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) أي بالتحليل والتحريم والتشريع والطاعة فصاروا أربابا يشرعون للناس ما لم يأذن به الله فكيف إذا شرعوا ما يصادم حكم الله ويضاده كاتخاذ القبور مساجد وشد الرحال إليها والبناء عليها والطواف بها والذبح عندها مما ثبت تحريمه تحريما قطعيا في دين الإسلام؟!

ثم لو فرض أن أحدا جعل مسجدا من مساجد المسلمين مكانا للحج قياسا على البيت الحرام وأفتى بأن الحج إليه والاعتكاف فيه والطواف داخله والذبح عنده مشروع أو ليس محرما ما دامت العبادة خالصة لله أو قال بأن الوقوف على أي جبل من الجبال لذكر الله في الحج مشروع قياسا على الوقوف بعرفة لكانت هذه الأقوال والآراء في حد ذاته كفرا بواحا وتشريعا لم يأذن الله به ومحادة لحكم الله ورسوله فكيف إذا كان ذلك المكان قبرا لا مسجدا فالحكم فيه أشد؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير