وهذا الخبيث لا يكذب الرسل فقط في اخبارهم عن الله والغيب، بل يكذب ويكابر في المحسوس فإنه بما زعم في وحدة الوجود وانه ليس الا الله، مدعيا انه هو عين المخلوقات، وبذلك لا يكون هناك فارق بين الملك والشيطان والمؤمن والكافر، والحلال والحرام، ومن عبد الشمس والقمر، ومن كفر بعبادة الشمس والقمر .. بل ادعى كذلك ان الجنة والنار كلاهما للنعيم، وان اهل منعمون كما اهل الجنة، قال:
فان دخلوا دار الشقاء ... فانهم على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد، فالامر واحد ... وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذبا من عذوبة طعمه ... وذاك له كالقشر والقشر صاين
ولا يخجل هذا الافاك من وصف الرب الاله سبحانه وتعالى بكل صفات الذم تصريحا لا اجمال وتلميحا وفحوى، فهو يصف الجماع بل الوقاع نفسه انه دليل هذه الوحدة، فالله عنده هو الطيب والخبيث - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فيقول والعالم على صورة الحق والانسان على الصورتين.
وقال: 'ولما احب الرجال المرأة طلب الوصلة اي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة النشأة العنصرية اعظم وصلة من النكاح، ولهذا تعم الشهوة اجزاءه كلها، ولذلك امر بالاغتسال منه، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة. فان الحق غيور على عبده ان يعتقد انه يلتذ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر اليه فيمن فني فيه، إذ لا يكون إلا ذلك. فاذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل، وإذا شاهده في نفسه ـ من حيث ظهور المرأة عنه ـ شاهده في فاعل، واذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة، فشهوده للحق في المرأة اتم واكمل، لانه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة. فلهذا احب صلى الله عليه وسلم النساء لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد ابدا، فان الله بالذت غني عن العالمين، واذا كان الامر من هذا الوجه ممتنعا، ولم تكن الشهادة إلا في مادة، فشهود الحق في النساء اعظم الشهود واكمله' (الفصوص: 217).
ابن تيمية يرد على إفك ابن عربي
وعقيدته وحدة الوجود
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فيهم: 'حتى يبلغ الأمر بأحدهم الى ان يهوى المردان، ويزعم ان الرب تعالى تجلى في احدهم، ويقولون: هو الراهب في الصومعة، وهذه مظاهر الجمال، ويقبل احدهم الأمرد، ويقول: انت الله. ويذكر عن بعضهم انه كان يأتي ابنه، ويدعي انه الله رب العالمين، او انه خلق السماوات والارض، ويقول احدهم لجليسه: انت خلقت هذا، وانت هو، وامثال ذلك.
فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطؤها الذي تفترشه، وعليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين، لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا.
ومن قال: ان لقول هؤلاء سرا خفيا وباطن حق، وانه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق: فهو احد رجلين ـ اما ان يكون من كبار الزنادقة اهل الإلحاد والمحال، واما ان يكون من كبار اهل الجهل والضلال. فالزنديق يجب قتله، والجاهل يعرف حقيقة الامر، فإن اصر على هذا الاعتقاد الباطل بعد قيام الحجة عليه وجب قتله.
ولكن لقولهم سر خفي وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق. وهذا السر هو اشد كفرا وإلحادا من ظاهره، فان مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء قد لا يفهمه كثير من الناس' (الفتاوى 2/ 378379).
ويقول ايضا شيخ الاسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: 'واقوال هؤلاء شر من اقوال اليهود والنصارى، فيها من التناقض من جنس ما في اقوال النصارى ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد اخرى، وبالوحدة تارة، فهو مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه. فهذا كله كفر باطنا وظاهرا بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الاسلام فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى' (الفتاوى 2/ 368).
وقال ايضا: 'ولا يتصور ان يثني على هؤلاء الا كافر ملحد، أو جاهل ضال' (الفتاوى 2/ 367).
¥