ولم تزل الأمة منذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى منتصف القرن السادس لا يعرفون هذه البدعة ولم يحتفلوا بالمولد وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون والصحابة والقرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية وفيهم الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة وأصحابهم على كثرتهم وأمم لا يحصون من علماء القرون الفاضلة كل هؤلاء لم يحتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أنه عندهم بدعة وكل بدعة ضلالة، ومن زعم أن الاحتفال بالمولد من الدين فقد قال على الله وعلى كتابه وعلى رسوله بغير علم، وافترى على الشرع المطهر. ويلزم من قوله تنقص الأمة بمن فيها من الصحابة والتابعين وبقية قرون الأمة لأنهم فرّطوا في هذه السنة – الاحتفال بالمولد – مع أن فيها أجراً وخيراً كبيراً كما يقولون!
ولم يزل العلماء منذُ إحداث هذه البدعة ينكرونها ويحذرون منها، والمسلمون في بعد منها وحذر من أهلها حتى ظهر أهل البدع بقوة السلطان فأظهروا هذه البدعة في المساجد والأماكن العامة، وأخذت الحكومات التي تحارب الشرع تحرص على أمر مهم وهو تغذية الصوفية ونشرها بين صفوف أهل السنة والتوحيد!! وما تبع ذلك من نشر كثير من الشركيات والخرافات وإظهار الإسلام في صورة دين للاحتفالات والمناسبات كدين النصارى وزادوا في بدعة المولد: الدفوف والرقص وإنشاد الأشعار التي تنضح بالغلو بل بالكفر والشرك بالله، ثم فشا الاختلاط بالنساء وما تبع ذلك من فواحش ومنكرات لا يقبلها عقل ولا دين.
أول من احتفل بالمولد:
اختلف أهل العلم بالتواريخ في أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد على قولين:
الأول: أن أول من أحدثه هو سلطان إربل أبو سعيد كوكبوري الذي ولي بعد موت والده سنة (563هـ) فيكون تاريخ إحداثه لها بعد حكمه لإربل. وقد ذكر ياقوت الحموي عصريّه عنه أنه كان: متضاد الطباع، كثير الظلم، عسوف بالرعية راغبٌ في أخذ أموال الناس من غير وجهها، وأحدث للصوفية مولداً أحدث فيه سماعا من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم!!
والقول الثاني وهو المشهور: أن أول من أحدث بدعة المولد هم العبيديون الرافضة كما ذكره المقريزي في خططه (1/ 490)، والقلقشندي في صُبح الأعشى (3/ 498) انظر: [المورد في حكم المولد] للفاكهاني (1/ 9) ضمن رسائل في حكم المولد.
وعلى القولين فبأس القدوة: حاكم ظالم بعيد عن السنة، وأعداء للدين لم يُعرفوا إلا بالكفر والضلال.
والكلام في الموضوع يطول جداً وقد ألف أهل العلم في إنكار بدعة المولد مؤلفات كثيرة ذكروا فيها أدلة كونها بدعة، وأجابوا عن أدلة الصوفية وأهل البدع ممن زعموا أنها سنة. وقد طبعت إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية مجموعة ((رسائل في حكم الاحتفال بالمولد النبوي)) في مجلدين تضمن سبع رسائل في (936) صفحة كعادتها في نشر السنة ومحاربة البدع، فلتنظر.
هذه المقدمة أحببت أن أجعلها بين يدي الرد على الدكتور محمد عبدالغفار الشريف الذي ظهر على شاشات التلفاز بأمور تشمئز منها نفوس أهل السنة والتوحيد، وتأباها الفطر السليمة والعقول المستقيمة، دعا في المقابلة إلى الاحتفال بالمولد والحرص عليه وأنه سنة حسنة!! وقد تقدم الرد على هذا الزعم؛ وقد ذَكَر الدكتور أدلة أو قُل شبهاً على دعواه هذه سنعرضها وننقضها بإذن الله.
أدلته في الاحتفال بالمولد!
لم يكن عند الدكتور محمد عبدالغفار من الأدلة سوى حديث ضعيف أو استحسان عقلي يعارض به الشرع، وقد ذكر الدكتور أن من الأدلة على جواز الاحتفال أن أبا لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلاً كافراً لما بشِّر بولاة النبي وفرح بها خفف عنه العذاب في نار جهنم بمجرد الفرح بمولده مما يدلنا على أن من احتفل به له أجر فيه أو كما قال.
الجواب من وجوه:
أولها: أنه لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أنه أعتق ثويبة لأنها بشرته بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى غير ذلك فعليه إقامة الدليل على دعواه، ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلاً.
¥