تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((السادس: أن يقال من أين في ظاهر القرآن إثبات جنب واحد، هو صفة الله؟ ومن المعلوم أن هذا لا يثبته أحد من بني آدم، وأعظم الناس إثباتا للصفات هم أهل السنة والحديث الذي يثبتون لله الصفات الخبرية، ولا يقولون: إن لله جنبا واحدا، ولا ساقا واحدة، قال عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي: وادعى المعارض زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله:

+ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ " (الزمر:56).إنهم يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو، وليس ذلك على ما يتوهمونه. قال الدارمي: فيقال لهذا المعارض: ما أرخص الكذب عندك وأخفه على لسانك، فإن كنت صادقا في دعواك فأشربها إلى أحد من بني آدم قاله، وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بهذا التفسير منك وأبصر بتأويل كتاب الله منك، ومن إمامك؟ إنما تفسيرها عندهم تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله، واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله فسماهم الساخرين فهذا تفسير الجنب عندهم، فمن أنبأك أنهم قالوا جنب من الجنوب فإنه لا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم.

وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (الكذب مجانب للإيمان). وقال ابن مسعود: (لا يجوز من الكذب جد ولا هزل) وقال الشعبي: (من كان كذابا فهو منافق) اهـ وتوجيه ذلك أن الله قال:

+ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ*أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ*أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ*بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ" (الزمر:56ـ 59). فهذا إخبار عما تقوله هذه النفس الموصوفة بما وصفت به وعامة هذه النفوس لا تعلم أن لله جنبا ولا تقر بذلك، كما هو الموجود منها في الدنيا. فكيف يكون ظاهر القرآن أن الله أخبر عنهم بذلك وقد قال عنهم + يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله " والتفريط فعل أو ترك فعل وهذا لا يكون قائما بذات الله لا في جنب ولا في غيره، بل يكون منفصلا عن الله وهذا معلوم بالحس والمشاهدة، وظاهر القرآن يدل على أن قول القائل: +يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله " ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله، وأبعاضه فأين في ظاهر القرآن ما يدل على أنه ليس لله إلا جنب واحد يعني به الشق.

السابع: أن يقال هب أن القرآن دل ظاهره على إثبات جنب هو صفة فمن أين يدل ظاهره أو باطنه على أنه جنب واحد وشق واحد ومعلوم أن إطلاق مثل هذا لا يدل على أنه شق واحد كما قال النبي × لعمران بن حصين: (صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب). وهذا لا يدل على أنه ليس لعمران بن حصين إلا جنب واحد. فإن قيل: المراد على جنب من جنبيك، قلنا: فقد علم أن ذكر الجنب مفردا لا ينفي أن يكون معه غيره ولا يدل ظاهر اللفظ على ذلك بوجه.

ونظير هذا اللفظ القدم إذا ذكر مفردا لم يدل على أنه ليس لمن نسب إليه إلا قدم واحد كما في الحديث الصحيح (حتى يضع عليها رب العزة قدمه) وفي الحديث: (أنا العاقب الذي يحشر الناس على قدمي))).

فكل من كان فطنا لبيبا، أو أحمق بليدا إذا قرأ كلام هذا وذاك فسيعلم أن السقاف قد افترى إفكا مبينا، وزوّر بهتانا عظيما، وتحمل وزرا كبيرا فحسابه على ربه يوم الآزفة، إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع.

*السقاف يقول عن كفار قريش ((ما كانوا يقرون بوجود الله)) (25)

والله سبحانه يقول: + قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ" (يونس:31)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير