فليراجع كتب الإجماع كمصنف ابن حزم ومصنف ابن هبيرة وما ذكره الحنابلة
وغيرهم، وما ظننت أن هذا يخفى على من له أدنى تحصيل وممارسة، وقد قيل:
سلطان ظلوم خير من فتنة تدوم.
وأما الإمام عبد الله فقد نصحت له كما تقدم أشد النصح، وبعد مجيئه لما
أخرج شيعة عبد الله سعودًا وقدم من الإحساء ذاكرته في النصيحة وتذكيره بآيات الله
وحقه، وإيثار مرضاته والتباعد عن أعدائه وأعداء دينه أهل التعطيل والشرك
والكفر البواح، وأظهر التوبة والندم، وأضمحل أمر سعود وصار مع شرذمة من
البادية حول المرة والعجمان، وصار لعبد الله غلبة ثبتت بها ولايته على ما قرره
الحنابلة وغيرهم كما تقدم أن عليه عمل الناس من أعصار متطاولة.
ثم ابتلينا بسعود وقدم إلينا مرة ثانية، وجرى ما بلغكم من الهزيمة على عبد
الله وجنوده، ومر بالبلدة منهزمًا لا يلوي على أحد، وخشيت من البادية، وعجلت
إلى سعود كتاباً في طلب الأمان لأهل البلدة وكف البادية عنهم، وباشرت بنفسي
مدافعة الأعراب مع شرذمة قليلة من أهل البلدة ابتغاء ثواب الله ومرضاته، فدخل
البلدة وتوجه عبد الله إلى الشمال، وصارت الغلبة لسعود والحكم يدور مع علته،
وأما بعد وفاة سعود [18] فقدم الغزاة ومن معهم من الأعراب العتاة والحضر الطغاة،
فخشينا الاختلاف وسفك الدماء وقطعية الأرحام بين حمولة آل مقرن [19] مع غيبة
عبد الله وتعذر مبايعته بل ومكاتبته، ومن ذكره يخشى على نفسه وماله أفيحسن أن
يترك المسلمون وضعفاؤهم نهباً وسبياً للأعراب والفجار؟ وقد تحدثوا بنهب
الرياض قبل البيعة، وقد رامها من هو أشر من عبد الرحمن وأطغى ولا يمكن
ممانعتهم ومراجعتهم، ومن توهم أنى وأمثالي أستطيع دفع ذلك مع ضعفي وعدم
سلطاني وناصري فهو من أسفه الناس وأضعفهم عقلاً وتصوراً، ومن عرف قواعد
الدين وأصول الفقه وما يتطلب من تحصيل المصالح ودفع المفاسد لم يُشكِل عليه
شيء من هذا، وليس الخطاب مع الجهلة والغوغاء، إنما الخطاب معكم معاشر
القضاة والمفاتي والمتصدرين لإفادة الناس وحماية الشريعة المحمدية، وبهذا ثبتت
بيعته وانعقدت وصار من ينتظر غائبًا لا تحصل به المصالح فيه شبه ممن يقول
بوجوب طاعة المنتظر وأنه لا إمامة إلا به.
ثم إن حمولة آل سعود صارت بينهم شحناء وعداوة والكل يرى له الأولوية
بالولاية، وصرنا نتوقع كل يوم فتنة وكل ساعة محنة، فلطف الله بنا وخرج ابن
جلوي من البلدة، وقتل ابن صنيتان، وصار لي إقدام على محاولة عبد الرحمن في
الصلح وترك الولاية لأخيه عبد الله، فلم آلُ جهدًا في تحصيل ذلك والمشورة عليه
مع أني قد أكثرت في ذلك حين ولايته ن ولكن رأيته ضعيف العزم لا يستبد برأيه،
فيسر الله قبل قدوم عبد الله بنحو أربعة أيام أنه وافق على تقديم عبد الله وعزل نفسه
بشروط اشترطها بعضها غير سائغ شرعًا، فلما نزل الإمام عبد الله ساحتنا اجتهدت
إلى أن محمد بن فيصل يظهر إلى أخيه، ويأتي بأمان لعبد الرحمن وذويه وأهل
البلد، وسعيت في فتح الباب واجتهدت في ذلك، ومع ذلك كله فلما خرجت للسلام
عليه وإذا أهل الفرع وجهلة البوادي ومن معهم من المنافقين يستأذنونه في نهب
تخيلنا وأموالنا، ورأيت معه بعض التغير والعبوس، ومن عامل الله ما فقد شيئاً،
ومن ضيع الله ما وجد شيئاً، ومن ضيع الله ما وجد شيئاً، ولكنه بعد ذلك أظهر
الكرامة ولين الجانب، وزعم أن الناس قالوا ونقلوا، وبئس مطية الرجل زعموا،
وتحقق عندي دعواه التوبة وأظهر لدي الاستغفار والتوبة والندم، وبايعته على
كتاب الله وسنة رسوله.
هذا مختصر القضية، ولولا أنكلم من طلبة العلم والممارسين الذين يكتفون
بالإشارة وأصول المسائل لكتبت رسالة مبسوطة ونقلت من نصوص أهل العلم
وإجماعهم ما يكشف الغمة ويزيل اللبس، ومن بقى عليه إشكال فليرشدنا رحمه الله،
ولو أنكم أرسلتم بما عندكم مما يقرر هذا أو يخالفه وصارت المذاكرة لانكشف
الأمر من أول وهلة، ولكنكم صممتم على رأيكم، وترك النصيحة من كان عنده
علم، واغتر الجاهل ولم يعرف ما يدين الله به في هذه القضية وتكلم بغير علم،
ووقع اللبس والخلط والمراء والاعتداء في دماء المسلمين وأعراضهم، وهذا بسبب
سكوت الفقيه وعدم البحث، واستغناء الجاهل بجهله واستقلاله بنفسه، وبالجملة
¥