تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا الذي نعتقد وندين الله به، والمسترشد يذاكر ويبحث، والظالم المعتدي حِسابنا

وحسابه إلى الله الذي تنكشف عنده السرائر، وتظهر مخبآت الصدور والضمائر يوم

يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور.

وأما ما ذكرتم من التنصل والبراءة مما نسب في حقي إليكم فالأمر سهل

والجروح جبار، ولا حرج ولا عار، وأوصيكم بالصدق مع الله واستدراك ما

فرطتهم فيه من الغلظة على المنافقين الذين فتحوا للشرك كل باب، وركن إليهم كل

منافق كذاب، وتأمل قوله بعد نهية عن موالاة الكافرين:] يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا

عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراًّ وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً

وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ [(آل عمران: 30) [20].

يظهر من إيراد هذه الرسالة ما كان عليه العلامة عبد اللطيف من رسوخ في

العلم الشرعي، وفهم للوقائع وتحقيق مناطها؛ حيث بيّن - زمن الفتنة العمياء -

مشروعية ولاية المتغلب وأن الإمامة تثبت بالغلبة والقهر، لذا أمضى ولاية سعود

بن فيصل، ثم أمضى ولاية عبد الله بن فيصل - بعد تغلبهما -.

كما نلحظ انهماك الشيخ عبد اللطيف بالإصلاح ودرء الفساد ما استطاع إلى

ذلك سبيلا، فكان يباشر بنفسه مدافعة المفسدين مع ضعفه وقلة حيلته، وكثرة

المحن والأخطار.

ويتجلى فقهه للمصالح والمفاسد وتقديرها (فسلطان ظلوم خير من فتنة تدوم)

فإن ثوبت ولاية المتغلب الظالم أحسن حالا من الفتنة. كما نلمس ما عليه الشيخ

عبد اللطيف من الوصية بالصدق مع الله والتذكير بالبعث والنشور، (يوم يبعثر ما

في القبور ويحصل ما في الصدور) فإن خير ما يعصم العبد من الفتن هو اللجوء

إلى الله - تعالى - والاستعداد للقائه.

5 - وفي سنة 1308هـ انهزم أهل القصيم أمام محمد بن رشيد في واقعة

المليداء، وقتل منهم ألف رجل، ولما ظفر ابن رشيد ذلك الظفر انتقل من معسكره،

ونزل بالقرب من بريدة، وكان قد غضب على أهل القصيم وحلف بالطلاق أن

يبيحها، وهابه أهل القصيم مهابة شديدة، فجعلوا يتوقعون ماذا يحله بهم من

العقوبات، فخرج إليه الشيخ العلاَّمة محمد بن عبد الله بن سليم [21]- رحمه الله -

وذكَّره بآيات العفو، وحضَّه على المسامحة والصفح، وقال له: يا ابن رشيد!

اذكر قدرة الله عليك، واعلم أنه من فوق الجميع، فبكى محمد بن رشيد وقام مستوياً

على قدميه يقول: اللهم إني قد عفوت، يشير بيده إلى بريدة ويكررها، ثم جلس

وقد سكن غيظه، وانكسرت حدته، فأكرم الشيخ وسأله عن يمينه بالطلاق فأفتاه

الشيخ [22].

6 - وفي عصرنا الحاضر عصفت رياح التغريب ببلاد المسلمين، فظهر

تيار جارف من الأفكار المستوردة، وكمٌّ هائل من النوازل والمستجدات، ولقد كانت

القوانين الوضعية بمختلف صورها وأنواعها من أشنعها جرماً وإثماً، وأخطرها

ضرراً.

وقد تصدى علماء نجد لتك القوانين، فكتب بعضهم [23] لولي الأمر - آنذاك -

نصيحة جاء فيها:

(ثم آلت بك الحال - هداك الله - وأخذ بناصيتك إلى الوقوع في أمور كثيرة

هي من أسباب زوال تلك النعمة، ومن موجبات التغيير وحلول النقمة،:] إِنَّ اللَّهَ

لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [(الرعد: 11) , منها إلزام الناس أن

يظلم بعضهم بعضاً، وأن ترفض الطريقة النبوية الجارية في أسواق المسلمين

وبياعاتهم، وأن يقام فيها القانون المضارع لقوانين الكفار الجارية في أسواقهم؛

فإن لله وإنا إليه راجعون، ولك هو إلزامكم بحجر الناس على مقدار

من السعر في الصرف لا يزيد ولا ينقص، وهذا من أعظم الفساد في

الأرض والتعاون على الإثم والعدوان، وأكل الناس بعضهم أموال بعض

بالباطل) [24].

وحذر الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله - من التحاكم إلى الطواغيت،

فكان مما قاله: «إن كثيراً من الطوائف المنتسبين إلى الإسلام قد صاروا يتحاكمون

إلى عادات آبائهم، ويسمون ذلك الحق بشرع الرفاقة كقولهم: شرع عجمان،

وشرع قحطان، وغير ذلك، وهذا هو الطاغوت بعينه الذي أمر الله باجتنابه.

فمن فعله فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه

في قليل ولا كثير» [25].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير