وفي هذا الحديث دلالة على فضل الصحابة، وانهم أمنة لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فما دام الصحابة موجودين كان الدين قائماً، والحق ظاهرا، والنصر على الأعداء حاصلا. وهذا الحديث يدل على فضل عموم الصحابة على من بعدهم. فجعلهم كالنجوم يقتدى بهم في أمور دينهم كما يهتدون بالنجوم في ظلمات البر والبحر. وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" فإذا لم يبقى من الصحابة أحد، جاء الذي وعُدت به أمة محمد وفي هذه اللفظة النبوية فضل لكل صحابي أنه أمنة لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ثالثاً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:" يأتي على الناس زمان، يغزو فئام من الناس. فيقال: لهم فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس. فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس. فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم [16] "
رابعاً: عشر ما رواه أبو عبد الله بن بطة من حديث الحسن عن أنس رضي الله عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن مثل أصحابي في أمتي كمثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح [17]."
ووجه الاستدلال انه شبه أصحابه في صلاح دين الأمة بهم، بالملح الذي صلاح الطعام به. قال الحسن: قد ذهب ملحنا فكيف نصلح.
خامساً: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:" لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني" قال طلحة فقد رأيت جابر بن عبد الله. وقال موسى وقد رأيت طلحة. قال يحيى وقال لي موسى وقد رأيتني ونحن نرجو الله [18].
سادساً: عن ابن عمر قال:" لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره [19] "
الترجيح والمناقشة:
والذي يترجح من الأدلة هو قو ل الجمهور بأن أفضلية الصحابة على الأفراد وذلك لقوة الدليل، كما أن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء فلا يقاس عليه. يشاء فلا يقاس عليه. وسبق لهم من الفضل على لسان نبيهم ما ليس لأحد بعدهم، قال ابن مسعود رضي الله عنه": إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ. [20] "
وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119) قال غير واحد من: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وصدق فيهم وصف ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال: "من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، قوم اختارهم الله لصحبه نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوا آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم."
وقد غلّظ جندب بن عبد الله رضي الله عنه القول عندما رأي من يفضل أحد من الناس على الصحابة فقال لفرقه دخلت عليه من الخوارج، فقالوا إنا ندعوك إلى كتاب الله، فقال: أنتم؟! قالوا: نحن، قال: أنتم؟! قالوا: نحن، فقال: يا أخابيث خلق الله في أتباعنا تختارون الضلالة، أم في غير سنتنا تلتمسون الهدى اخرجوا عنى [21]."
قال البيهقي في المفهم [22]:" أن من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورآه ولو مرة من عمره، أفضل من كل من يأتي بَعدُ، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل. وهو الحق الذي لا ينبغي أن يُصار لغيره، لأمور:
أولها: مزية الصحبة ومشاهدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وثانيها: فضيلة السبق للإسلام.
وثالثها: خصوصية الذب عن حضرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ورابعها: فضيلة الهجرة والنُصرة.
وخامسها: ضبطهم للشريعة
وسادسها: تبليغها لمن بعدهم.
وسابعها: السبق في النفقة في أول الإسلام.
¥