ثم قال ابن عربي [مفسرا قول رب العالمين] 12: 108 على بصيرة فنبه على أن الأمر له كله فأجابوه مكرا كما دعاهم فجاء المحمدي وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته وإنما هي من حيث أسماؤه فقال 19: 86 يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا فجاء بحرف الغاية وقرنها بالإسم فعرفنا أن العالم كان تحت حيطة إسم إلهي أوجب عليهم أن يكونوا متقين
فقالوا في مكرهم 71: 23 لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله في المحمديين 17: 23 وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه أي حكم فالعالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية فما عبد غير الله في كل معبود
تكفير العراقي لابن عربي
وقال شيخ شيوخنا الإمام القدوة العارف شيخ الإسلام حافظ عصره الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي في كراسة أجاب فيها سؤال من سأله عن بعض كلام ابن عربي هذا وقوله في قوم نوح لا تذرن آلهتكم إلى آخره كلام ضلال وشرك واتحاد وإلحاد فجعل تركهم لعبادة الأوثان التي نهاهم نوح عن عبادتها جهلا يفوت عليهم من الحق بقدر ما تركوا انتهى
قلت يا ليت شعري من قال هذا القول في هذا العدد اليسير من الأصنام ماذا يقول فيما روى في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده وجعل يقول 17: 18 جاء الحق وزهق الباطل
وفي السير أنها كانت 12 مثبتة في الأرض بالرصاص فما أشار بذلك العود إلى صنم منها إلا انقلب إن أشار إلى قفاه انكب على وجهه وإن أشار إلى وجهه انقلب على قفاه وكان في جزيرة العرب من الأصنام ما يتعسر حصره فما أبقى لشيء منها باقية وما استباح قتالهم ونهب أموالهم وقتل رجالهم ومزق أبطالهم وركب من دون ذلك الأهوال العظام وقاطع الأخوال والأعمام إلا على ذلك فتبا لمن أنكره أو رأى شيئا أكمل منه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين انتهى
كل شيء عندهم رب وإله
قال ابن عربي فالأدنى من تخيل فيه أي في كل معبود الألوهية فلولا هذا التخيل ما عبد الحجر ولا غيره ولهذا قال 13: 33 قل سموهم فلو سموهم لسموهم حجارة وشجرا وكوكبا ولو قيل لهم من عبدتم لقالوا إلها ما كانوا يقولون الله ولا الإله والأعلى ما تخيل بل قال هذا مجلى إلهي ينبغي تعظيمه فلا يقتصر فالأدنى صاحب التخيل يقول 3: 39 ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا والأعلى العالم يقول 34: 32 فإلهكم إله واحد
فله أسلموا وبشر المخبتين الذين خبت نار طبيعتهم فقالوا إلها ولم يقولوا طبيعة
قلت وعلى هذا يحوم ابن الفارض بقوله فالعلماء شهدوا فيه أنه من أهل الاتحاد
الرأي في ابن الفارض وتائيته
وقال الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير إنه نظم التائية على طريقة المتصوفة المنسوبين إلى الاتحاد وقال وقد تكلم فيه غير واحد من مشايخنا بسبب قصيدته المشار إليها وقال في سنة سبع وسبعين وستمائة في ترجمة محمد بن إسرائيل وكان أديبا ولكن في كلامه ما يشير إلى الحلول والاتحاد على طريقة ابن الفارض وابن عربي
وقال الشيخ مدين وهو كان رأس الصوفية زماننا إن التائية هي الفصوص لا فرق بينهما ومن قال ان السراج عمر بن إسحاق الهندي عزر الشهاب أحمد بن يحيى بن أبي حجلة لأجل كلامه في ابن الفارض وجعل ذلك دليلا على ولايته أجيب بأن شيخنا حافظ العصر أحمد بن حجر ذكر في ترجمته في أول تاريخه في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة أن السراج الهندي كان يتعصب للصوفية الاتحادية وأنه شرح التائية فسقط كلامه والاعتبار به وعلى كل تقدير فتعزيره له غير واقع في محله بوجه فإنه لا شيء على من كفر مسلما بتأويل بلا خلاف نعلمه بين العلماء
والحجة فيه قصة عمر وحاطب رضي الله عنهما وغير ذلك مما وقع بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في وقائع عدة على أن التعزير يحتمل أمورا عدة لا يتعين شيء منها إلا بدليل فسقط الاستدلال به
¥