فأول ما بنوا عليه أمرهم ترك العقل الذي بنى الله أمر هذا الوجود على حكمه بشرط استناده إلى النقل الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله عليهم الصلاة والسلام لئلا يزل العقل بما يغلبه من الفتور والشهوات والحظوظ وجعل العقل حاكما لا يعزل بوجه من الوجوه في وقت من الأوقات في ملة من الملل وضموا إلى ذلك الداهية الدهياء وهي ترك ما عطر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الكون بمدحه وملأ الوجود بذكر مناقبه وفضائله وهو العلم والشرع
وحذروا من اتباع شيء من ذلك غاية التحذير فكانوا كالأنعام بل هم أضل سبيلا وذلك بين جدا في فصوص ابن عربي ونظم تائية ابن الفارض اللذين قصد بهما هدم الشريعة وكل منهما ثابت عمن نسب إليه عند أهله ثبوتا رافعا للريب والتائية متصلة بابن الفارض بالآحاد والتواتر
موقف العلماء من ابن عربي وابن الفارض
وقد كفرهما العلماء بسبب ما نقل عن حالهما وما صدق ذلك من كلامهما
أما ابن عربي فالمتكلمون فيه كثير جدا وكان له علم كثير في فنون كثيرة وله خداع كبير غر به خلقا فأثنى عليه لأجل ذلك ناس من المؤرخين ممن
خفي عليهم أمره أطبق العلماء على تكفيره وصار أمرا إجماعيا وأما ابن الفارض فأمره أسهل وذلك أنه لم يوجد لأحد من أهل عصره الخبيرين بحاله ثناء عليه بعدالة ولا ولاية ولا ظهر عنه علم من العلوم الدينية ولا مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة واحدة على كثرة شعره فدل ذلك على سوء طويته ونقل القدح فيه نقلا قطعيا عن محبيه ومبغضيه فقد قال شراح تائية التابعون لطريقته والمنتقدون عليه من أهل السنة إن أهل زمانه كلهم من أهل الشريعة وأرباب الطريقة رموه بالفسق والإباحة والزندقة 65 على الإجمال
المكفرون لابن الفارض
وأما التفصيل والتعيين فقد رماه بالزندقة بشهادة الكتب الموثوق بها نحو من أربعين عالما وهم دعائم الدين من عصره إلى عصرنا فمن أهل عصره سلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام الشافعي والحافظ الفقيه الأصول تقي الدين ابن الصلاح الشافعي والإمام الفقيه المحدث الصوفي قطب الدين القسطلاني الشافعي والإمام نجم الدين أحمد بن حمدان الحنبلي وشرح التائية وبين
عواره فيها بيتا بيتا وأبو علي عمر بن خليل السكوني المالكي والشيخ جمال الدين ابن الحاجب المالكي
وممن يليهم قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد الصوفي الشافعي وقاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز الشافعي وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي والشرف عيسى الزواوي المالكي والسعد الحارثي الحنبلي والإمام أبو حيان الشافعي وأبو أمامة ابن النقاش الشافعي والحافظ شمس الدين الموصلي الشافعي وشيخ الإسلام تقي الدين السبكي الشافعي وشيخ الفقهاء الزين الكتناني الشافعي والشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي
وممن يليهم الكمال جعفر الأدفوي الشافعي ونقل ذم التائية عن العلماء والبرهان إبراهيم السفاقسي المالكي والشهاب أحمد بن أبي حجلة الحنفي والحافظ شمس الدين الذهبي الشافعي والحافظ عماد الدين ابن كثير الشافعي
وممن يليهم العلامة شمس الدين محمد العيزري الشافعي وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني الشافعي وعلامة زمانه علاء الدين محمد البخاري الحنفي الصوفي وكفر بعض من قال بحضرته إن ذلك يؤول وما أنكر عليه أحد ممن كان حاضره من العلماء تكفيره له ولا غيرهم من أهل زمانه من مذهب من المذاهب وما وسع المكفر إلا البراءة من الاتحادية ومذهبهم
وممن يليهم قاضي القضاة ولي الدين العراقي وقاضي القضاة حافظ عصره
شهاب الدين أحمد بن حجر الشافعي وقاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي وقاضي القضاة شمس الدين البساطي المالكي وعلامة اليمن بدر الدين حسين ابن الأهدل الشريف الشافعي الصوفي كما شهد بهذا النقل عنهم نحو عشرين كتابا من مصنفاتهم ومصنفات غيرهم من العلماء وهي شرح التائية لابن حمدان وديباجة ديوان ابن الفارض و لحن العوام لابن خليل وتفسير أبي حيان البحر والنهر والفرقان لابن تيمية وقصيدة السفاقسي التي يقول فيها
وكالششتري القونوي ابن فارض ... فلا برد الله ثراهم ولا أسقى
والقونوي الذي ذكره
¥