أجمع شراح التائية على أن المراد بالأبيات التسعة الأولى أن طريقة هتك أستار الحرمة والخرق في بعض النواميس الإلهية وتخليته الناس مع ربهم من غير أمر بمعروف ولا نهي عن منكر ورضاه بكل ما يقع منهم لشهوده الأفعال
كلها الواحد الحقيقي الظاهر في صور الكثرات وعدم الالتفات إلى المترسمين من الزهاد العباد وكسر نواميسهم والرد عليهم وعدم التقييد بظواهر العلوم والاعتقادات فحملهم ذلك على أن رموه بالفسق والبدعة والكفر والإباحة والزندقة والخروج عن طريقهم فذل بين حي أهل الشريعة والطريقة وأجمعوا على أن المراد من الثلاثة 68 الأخرى أن نفسه أسرت تمني الوصل وتحققها بحقيقته حتى غاب عنها رقيب العقل خوفا من اطلاعه على ذلك فيغلب عليه حكم التنزيه فيقوم بالمنع والتشنيع فيقول ما للراب ورب الأرباب وأنه بالغ في الإخفاء خوفا من أن يتنبه العقل فيقوم يشنع وينكر فصار كل واحد من الصفات يغالط الآخر وكذبه في هذا صدق لهجته
وقال بعد ذلك بكثير
ولا استيقظت عين الرقيب ولم تزل ... علي بها في الحب عيني رقيبتي
قال التلمساني يعني لما سكرت روحي ونامت عين الرقيب وهو الشرع والعقل أقمت عيني رقيبة علي لرعاية آداب حضرة المحبوبة
ذمه للرسل وللشرائع
وقال في ذم الشرع أيضا
منحتك علما إن ترد كشفه فرد ... سبيلي واشرع في اتباع شريعتي
فنبع صداء من شراب نقيعه ... لدي فدعني من سراب بقيعة
ودونك بحرا خضته وقف الأولى ... بساحله صونا لموضع حرمتي
قال الشراح إن معنى ذلك أنه منح أتباعه علما كماء صداء وهو ماء يضرب به المثل في الغزارة والعذوبة ونهى عن متابعة غيره من علماء الظاهر من الأصوليين والفلاسفة والفقهاء وغيرهم من أهل العلوم الفكرية فإنها تغر السامع وهي كسراب بقيعة ليست شيئا وأنه خاض بحر التوحيد وأخرج منه ما لم ينله أحد من السابقين من الأنبياء والأولياء لوقوفهم في ساحل ذلك البحر لأجل حفظ حرمته ثم خادعوا بأن قالوا قال هذا على لسان الحضرة المحمدية إذ كمال التوحيد مختص بمقام جمعه والكمل والتابعين إياه انتهى
وقد وقع من شرحه بذلك مع الحيدة عما لا محيد عنه في الكفر من
جهة أخرى وهي أنه يلزم منه تفضيل أتباع النبيصلى الله عليه وسلم على الأنبياء الماضين عليهم السلام
يفضل أتباعه على الرسل وزندقته على شرعة الله
ومن نمطه لكونه لا ينفك عن كفر قوله عقبه
وأصغر أتباعي على عين قلبه ... عرائس أبكار المعارف زفت
فإن سيل عن معنى أتي بغرائب ... من الفهم جلت أو عن الوهم دقت
فإنه لا يصح على لسانه ولا لسان غيره
ثم قال في ذم الشرع والعلم
ولاتك ممن طيشته دروسه ... بحيث استقلت عقله واستفزت
فثم وراء النقل علم يدق عن ... مدارك غايات العقول السليمة
تلقيته مني وعني أخذته ... ونفسي كانت من عطائي ممدتي
قالوا في معناه لا يستخفنك كثرة دروس العلوم النقلية فوراءها علم مكنون أخذت ظاهره من حسي وباطنه من عقلي وسره من روحي ومكنونه من سري من حيث أن كل واحد منها عيني وذاتي ولا وصف ولا نعت زائد علي حاكم بمغايرتي وغيريتي إياها فكنت المعطي وكنت المعطى وكنت الممد وكنت المستمد والفاعل والقابل
هذا أمرهم 69 في الانسلاخ من العقل
الصلة بين التصوف والنصرانية
وقد شهد عليهم العلماء بذلك قال العلامة قاضي القضاة شمس الدين البساطي في أول كتاب له في أصول الدين في المسألة السادسة من الكتاب الثاني في أنه سبحانه ليس متحدا بشيء واعلم أن هذه الضلالة المستحيلة في العقول سرت في جماعة من المسلمين نشأوا في الابتداء على الزهد والعبادة إلى أن قال ولهم في ذلك أي الاتحاد بالمعنى الذي قالته النصارى كلمات يعسر تأويلها بل منها ما لا يقبل التأويل ولهم في التأويل خلط وخبط كلما أرادوا أن يقربوا من المعقول ازدادوا بعدا حتى أنهم استنبطوا قضية حلت لهم الراحة وقنعوا في مغالطة الضرورة بها بالمغيب وهي أن ما هم فيه ويزعمونه وراء طور العقل وأنه بالوجدان يحصل ومن نازعهم محجوب مطرود عن الأسرار الإلهية وهكذا قال الشيخ سعد الدين في شرح المقاصد والشريف في شرح المواقف
ادعاؤه الربوبية
ولما تمهد له في زعمه ادعى أنه الله عنادا لقوله تعالى 17: 5 لقد كفر
¥