ولا شك أنه يريد بالصوفية من كان منهم على منهج السلف , أما من انحرف عن ذلك كالقائلين بوحدة الوجود وإسقاط التكاليف ونحو ذلك من العقائد الباطلة فلا شك أنهم ليسوا من أهل السنة بل ليسوا من أهل الإسلام
متى بدأت الفتنة بين الفريقين:
وقد كان أهل الحديث والحنابلة مع الأشعرية والماتريدية يدا واحدة على المبدعة والزنادقة , وكانوا كالشيء الواحد حتى حصلت في القرن الخامس الهجري حادثة عرفت بفتنة ابن القشيرى تسببت في الفرقة بين الطائفتين , قال الإمام ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري ص 163:
(ولم تزل الحنابلة ببغداد في قديم الدهر على ممر الأوقات تعتضد بالأشعرية على أصحاب البدع لأنهم المتكلمون من أهل الإثبات فمن تكلم منهم في الرد على مبتدع فبلسان الأشعرية يتكلم ومن حقق منهم في الأصول في مسألة فمنهم يتعلم فلم يزالوا كذلك حتى حدث الاختلاف في زمن أبي نصر القشيري) اه
وقد ذكر هذه الحادثة كثير من أهل التواريخ والسير ومنهم الذهبي في السير وابن رجب في ذيل الطبقات وابن الأثير في الكامل وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم , وانظر مثلا البداية والنهاية 12/ 115
موقف الإمام ابن تيمية من تلك الفتنة والخلاف بين الأشاعرة والحنابلة:
مع أن الإمام ابن تيمية يخالف الأشاعرة في أشياء إلا أن موقفه منهم لم يكن موقف المعادي بل موقف من يؤلف بين القلوب ويقارب بين وجهات النظر بين الأشعرية والحنبلية حيث قال كما في مجموع الفتاوى 6/ 53:
(و الأشعرية فيما يثبتونه من السنة فرع على الحنبلية كما أن متكلمة الحنبلية فيما يحتجون به من القياس العقلي فرع عليهم وإنما وقعت الفرقة بسبب فتنة القشيرى) اه
وفي مجموع الفتاوى أيضا 4/ 17:
(قال أبو القاسم بن عساكر: ما زالت الحنابلة والأشاعرة في قديم الدهر متفقين غير مفترقين حتى حدثت فتنة ابن القشيري) اه
وفي مجموع الفتاوى أيضا 3/ 227:
(والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة وأنا كنت من أعظم الناس تأليفا لقلوب المسلمين وطلبا لاتفاق كلمتهم واتباعا لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله وأزلت عامة ما كان في النفوس من الوحشة) اه
وفي مجموع الفتاوى أيضا 3/ 229:
(ولما أظهرت كلام الأشعرى ورآه الحنبلية قالوا هذا خير من كلام الشيخ الموفق وفرح المسلمون باتفاق الكلمة وأظهرت ما ذكره ابن عساكر في مناقبه أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين إلى زمن القشيري فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة) اه
وفي مجموع الفتاوى أيضا 3/ 269:
(ولهذا اصطلحت الحنبلية والأشعرية واتفق الناس كلهم ولما رأى الحنبلية كلام أبي الحسن الأشعري قالوا هذا خير من كلام الشيخ الموفق وزال ما كان في القلوب من الأضغان وصار الفقهاء من الشافعية وغيرهم يقولون الحمد لله على اتفاق كلمة المسلمين) اه
موقف الإمام الذهبي من الخلاف بين الأشاعرة والحنابلة:
قال في سير أعلام النبلاء في ترجمة الإمام أبي نعيم الأصبهاني الأشعري 17/ 459:
(وكان بين الأشعرية والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة وقيل وقال وصداع طويل فقام إليه [أي قام إلى أبي نعيم] أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد الرجل يقتل.
قلت: ما هؤلاء بأصحاب الحديث بل فجرة جهلة أبعد الله شرهم) اه كلام الذهبي
إن هذه الفتنة وفتن مشابهة لها قد أثرت على العلاقة بين أهل السنة على مر القرون ولكنها في بعض القرون قد تكون أشد وفي بعضها قد تكون أخف
ولا زالت هذه الفتنة تلقي بظلالها على العلاقة بين أهل السنة في واقعنا المعاصر , مع أننا أحوج ما نكون إلى الألفة والاتحاد والتعاون لأننا في زمن تكالبت فيه الأمم على أمة المسلين ورموهم عن قوس واحدة بينما تجد أهل الإسلام وخصوصا أهل السنة مازالوا في صراعات لفظية أو غير لفظية , وما زالوا غارقين في الجدل البيزنطي والأعداء على الأبواب , فهل نعي وندرك ما يحاك لنا ونلتفت إلى العدو الحقيقي ونؤخر الخلافات الداخلية حتى ننتهي من العدو الأكبر؟! من قبل أن يقال: أكلت يوم أكل الثور الأسود
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يصلح أحوال المسلمين وأن يجمع كلمة المسلمين وأن يؤلف بين قلوبهم آمين يارب العالمين
عبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي
اليمن - صنعاء - 19 / رجب / 1427 هـ
ت: 00967711456608
¥