بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني أبو السعادات الملقب بمجد الدين المعروف بابن الأثير هو أبوه محمد بن محمد بن عبد الكريم من أهل جزيرة ابن عمر. مات فيما حدثني به أخوه عز الدين أبو الحسن علي بن محمد في يوم الخميس سلخ ذي الحجة سنة ست وستمائة قال: ومولده في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة بالجزيرة وانتقل إلى الموصل في سنة خمس وستين ولم يزل بها إلى أن مات.
قال المؤلف: وكان عالماً فاضلاً وسيداً كاملاً، قد جمع بين علم العربية والقرآن والنحو واللغة والحديث وشيوخه وصحته وسقمه والفقه وكان شافعياً، وصنف في كل ذلك تصانيف هي مشهورة بالموصل وغيره. حدثني أخوه أبو الحسن قال: قرأ أخي الأدب على ناصح الدين أبي محمد سعيد ابن الدهان البغدادي، وأبي بكر يحيى بن سعدون المغربي القرطبي، وأبي الحزم مكي بن الريان بن شبة الماكسي النحوي الضرير، وسمع الحديث بالموصل من جماعة منهم الخطيب أبو الفضل بن الطوسي وغيره، وقدم بغداد حاجاً فسمع بها من أبي القاسم صاحب ابن الخل، وعبد الوهاب ابن سكينة، وعاد إلى الموصل فروى بها وصنف، ووقف داره على الصوفية وجعلها رباطاً.
وحدثني أخوه أبو الحسن قال: تولى أخي أبو السعادات الخزانة لسيف الدين الغازي بن مودود بن زنكي ثم ولاه ديوان الجزيرة وأعمالها، ثم عاد إلى الموصل فناب في الديوان عن الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن جمال الدين محمد ابن منصور الأصبهاني، ثم اتصل بمجاهد الدين قايماز بالموصل أيضاً فنال عنده درجة رفيعة، فلما قبض على مجاهد الدين اتصل بخدمة أتابك عز الدين مسعود بن مودود إلى أن توفي عز الدين فاتصل بخدمة ولده نور الدين أرسلان شاه، فصار واحد دولته حقيقة بحيث إن السلطان كان يقصد منزله في مهام نفسه لأنه أقعد في آخر زمانه فكانت الحركة تصعب عليه فكان يجيئه بنفسه، أو يرسل إليه بدر الدين لؤلؤ الذي هو اليوم أمير الموصل.
وحدثني أخوه المذكور قال: حدثني أخي أبو السعادات قال: لقد ألزمني نور الدين بالوزارة غير مرة وأنا أستعفيه حتى غضب مني وأمر بالتوكيل بي قال: فجعلت أبكي فبلغه ذلك فجاءني وأنا على تلك الحال فقال لي: أبلغ الأمر إلى هذا؟ ما علمت أن رجلاً ممن خلق الله يكره ما كرهت. فقلت: أنا يا مولانا رجل كبير وقد خدمت العلم عمري، واشتهر ذلك عني في البلاد بأسرها، وأعلم أنني لو اجتهدت في إقامة العدل بغاية جهدي ما قدرت أؤدي حقه، ولو ظلم أكار في ضيعة من أقصى أعمال السلطان لنسب ظلمه إلي، ورجعت أنت وغيرك باللائمة علي، والملك لا يستقيم إلا بالتسمح في العسف وأخذ هذا الخلق بالشدة، وأنا لا أقدر على ذلك فأعفاه، وجاءنا إلى دارنا فخبرنا بالحال. فأما والده وأخوه فلاماه على الامتناع فلم يؤثر اللوم عنده أسفاً، وذكر في قصة طويلة بتفاصيلها إلا أن هذا الذي ذكرته هو معناها.
وحدثني عز الدين أبو الحسن قال: حدثني أخي أبو السعادات - رحمه الله - قال: كنت أشتغل بعلم الأدب على الشيخ أبي محمد سعيد بن المبارك ين الدهان النحوي البغدادي بالموصل، وكان كثيراً ما يأمرني بقول الشعر وأنا أمتنع من ذلك قال: فبينا أنا ذات ليلة نائم رأيت الشيخ في النوم وهو يأمرني بقول الشهر فقلت له: ضع لي مثالاً أعمل عليه فقال:
جب الفلا مدمناً إن فاتك الظفر ... وخد خد الثرى والليل معتكر
فقلت أنا:
فالعز في صهوات الخيل مركبه ... والمجد ينتجه الإسراء والسهر
فقال لي: أحسنت، هكذا فقل، فاستيقظت فأتممت عليها نحو العشرين بيتاً.
وحدثني عز الدين أبو الحسن قال: كتب أخي أبو السعادات إلى صديق له في صدر كتاب والشعر له:
وإني لمهد عن حنين مبرح ... إليك على الأقصى من الدار والأدنى
وإن كانت الأشواق تزداد كلما ... تناقص بعد الدار واقترب المغنى
سلاماً كنشر الروض باكره الحيا ... وهبت عليه نسمة السحر الأعلى
فجاء بمسكي الهوا متحلياً ... ببعض سجايا ذلك المجلس الأسمى
وأنشدني عز الدين قال: أنشدني أخي مجد الدين أبو السعادات لنفسه:
عليك سلام فاح من نشر طيبه ... نسيم تولى بثه الرند والبان
وجاز على أطلال مي عشية ... وجاد عليه مغدق الوبل هتان
فحملته شوقاً حوته ضمائري ... تميد له أعلام رضوى ولبنان
¥