فإن كان ذا بصيرة، فإنه لن يقف إلا على ما يتم به المعنى اللهم إلا إذا اضطر إلى غير ذلك، فإن عليه حينئذٍ أن يعالج أمره بأن يرجع كلمة أو أكثر أى إلى موضع يجوز الابتداء به، فيستأنف قراءته بادئاً به، ومنتهياً بجملة تفيد معنى يجوز الوقوف عليه.
ومثل ذلك قل أيضاً فى الابتداء.
والهدف من وراء ذلك كله هو عدم الإخلال بنظم القرآن، ولا بما اشتمل عليه من معان. ولسوف يقف القارئ الكريم على أمثلة تطبيقية فيما هو آت – إن شاء الله تعالى - يدرك من خلالها ارتباط كل من الوقف والابتداء فى قراءة القرآن الكريم بالتفسير، ولكن من حق قارئنا علينا - قبل ذلك - أن نوقفه على معنى كل من الوقف والابتداء وأهم ما يتعلق بهما من أحكام0
تعريف الوقف والابتداء:
الوقف: هو قطع النطق عن آخر الكلمة.
والابتداء: هو الشروع فى الكلام بعد قطع أو وقف.
علاقة الوقف والابتداء بالمعنى أو التفسير:
قال الصفاقسى فى كتابه تنبيه الغافلين مبيناً أهمية معرفة الوقف والابتداء:
ومعرفة الوقف والابتداء متأكد غاية التأكيد، إذ لا يتبين معنى كلام الله، ولا يتم على أكمل وجه إلا بذلك؛ فربما قارئ يقرأ ويقف قبل تمام المعنى، فلا يفهم هو ما يقرأ ومن يسمعه كذلك، ويفوت بسبب ذلك ما لأجله يقرأ كتاب الله تعالى، ولا يظهر مع ذلك وجه الإعجاز، بل ربما يُفهم من ذلك غير المعنى المراد، وهذا فساد عظيم؛ ولهذا اعتنى بعلمه وتعليمه والعمل به المتقدمون والمتأخرون، وألفوا فيه من الدواوين المطولة والمتوسطة والمختصرة ما لا يعد كثرة.ومن لا يلتفت لهذا، ويقف أين شاء، فقد خرق الإجماع، وحاد عن إتقان القراءة وتمام التجويد. انتهى
وهذا الكلام من عالم صرف حياته لخدمة القرآن كالصفاقسى له وجاهته، وهو يؤكد ما قلته آنفاً عن ارتباط الوقف والابتداء بالتفسير.
وقال السخاوى فى تأكيد ذلك أيضاً:
فى معرفة الوقف والابتداء الذى دونه العلماء تبيين معانى القرآن العظيم، وتعريف مقاصده، وإظهار فوائده، وبه يتهيأ الغوص على درره وفرائده 00 وقد اختار العلماء وأئمة القراء تبيين معانى كلام الله تعالى وجعلوا الوقف منبهاً على المعنى ومفصلاً بعضه عن بعض، وبذلك تلذ التلاوة، ويحصل الفهم والدراية، ويتضح منهاج الهداية. انتهى
من الآثار الدالة على وجوب معرفة الوقف والابتداء:
1 - حديث الخطيب الذى خطب بين يدى النبى - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما. ثم وقف على "يعصهما" ثم قال فقد غوى. هنا قال له النبى -صلى الله عليه وسلم -: "بئس الخطيب أنت"
وقد قال له النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك لقبح لفظه فى وقفه؛ إذ خلط الإيمان بالكفر فى إيجاب الرشد لهما، وكان حقه أن يقول واصلاً: ومن يعصهما فقد غوى. أو يقف على "فقد رشد" ثم يستأنف بعد ذلك " ومن يعصهما .. الخ" فهذا دليل واضح على وجوب مراعاة محل الوقف.
2 - روى عن ابن عمر - رضى الله عنهما - أنه قال: لقد غشينا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على النبى - صلى الله عليه وسلم - فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها وما ينبغى أن يوقف عنده منها.
3 - وقال على - رضى الله عنه - لما سئل عن قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلاً) قال: الترتيل معرفة الوقوف وتجويد الحروف.
قال ابن الجزرى فى النشر: فى كلام على - رضى الله عنه - دليل على وجوب تعلم الوقف والابتداء ومعرفته.
وفى كلام ابن عمر برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة - رضى الله عنهم - أجمعين وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف الصالح كأبى جعفر يزيد ابن القعقاع - أحد القراء العشرة - وإمام أهل المدينة الذى هو من أعيان التابعين، وصاحبه الإمام نافع بن أبى نعيم وأبى عمرو بن العلاء، ويعقوب الحضرمى،وعاصم بن أبى النجود - وهم من القراء العشرة - وغيرهم من الأئمة، وكلامهم فى ذلك معروف، ونصوصهم عليه مشهورة فى الكتب؛ ومن ثم اشترطه كثير من أئمة الخلف على المجيز أن لا يجيز أحداً إلا بعد معرفته الوقف والابتداء.
وكان أئمتنا يوقفوننا عند كل حرف، ويشيرون إلينا فيه بالأصابع، سنة أخذوها كذلك عن شيوخهم الأولين -رحمة الله عليهم أجمعين. ا. هـ ....
¥