تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال صاحب هذا الرأى: ولهذا فإن من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب فإنه يقف عند قوله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً)، وأما من قالوا بقبول شهادته إذا تاب ومن جملة ذلك إقامة الحد عليه؛ أقول: هؤلاء يصلون الآية بالآية التى بعدها: (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) ..

والذى ينبغى علمه أن كلاً من التفسير والوقف مرتبط بالآخر، وهذه الحقيقة نتصورها أحياناً فى القراءة الواحدة، وأحياناً فى القراءات المختلفة.

قال السيوطى مقرراً هذه الأخيرة: الوقف قد يكون تاماً على قراءة غير تام على أخرى … .. والوقف يكون تاماً على تفسير وإعراب غير تام على تفسير وإعراب آخر.

ومثال هذا: الوقف على (لا ريب) فإنه يكون تاماً إن جعلنا (فيه هدى) مبتدأً وخبراً، وهو اتجاه نافع وعاصم، ولو جعلنا الجار والمجرور (فيه) متعلقاً بـ (لا ريب) فالوقف يكون على (لا ريب فيه) ويستأنف بعد ذلك بـ (هدى للمتقين) أى: هو هدى؛ فعلى الأول الوقف تام على قول أصحاب الوقف، وعلى المعنى الثانى الوقف كاف.

أمثلة تطبيقية تؤكد مدى ارتباط كل من التفسير والوقف بالآخر غير ما ذكر:

1 - قال تعالى: (هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)

وشاهدنا من هذه الآية هو قوله سبحانه: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم ... ) حيث قال الجمهور: الوقف على قوله: (إلا الله) وقف تام. وقال غيرهم: ليس تاماً بل يوصل بما بعده ولا يوقف عليه.

تفسير الآية على رأى الجمهور:

الله عز وجل فى هذه الآية يذكر لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وللناس أجمعين أنه أنزل القرآن فيه المحكم الواضح، والمتشابه غير الواضح، ثم بين بعد ذلك أن أهل الزيغ الحاقدين يتبعون هذا المتشابه بهدف التشكيك وإثارة البلبلة بين صفوف المؤمنين، مع أن المتشابه لا يعلمه إلا الله وحده فقط؛ وعلى ذلك فالجملة التى بعد هذا الوقف وهى قوله: (والراسخون فى العلم يقولون .. ) ليست معطوفة على لفظ الجلالة، بل الواو للاستئناف و "الراسخون" مبتدأ وجملة "يقولون" خبر فالجملة هذه مقطوعة إذن عما قبلها، وقد قال بهذا القول كل من:

ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبدالعزيز وأبى الشعثاء وأبى نهيك، وهو مذهب الكسائى والفراء والأخفش وأبى عبيد وحكاه ابن جرير الطبرى عن مالك واختاره.

تفسير الآية على رأى غير الجمهور:

وبناء على رأى غير الجمهور يكون المعنى أن الراسخين فى العلم المتمكنين منه يعلمون أيضاً تأويل المتشابه، فقوله سبحانه: (والراسخون فى العلم يقولون .. ) ليس مقطوعاً عما قبله ولكن معطوفاً عليه، فالواو للعطف و "الراسخون" معطوف على لفظ الجلالة و "يقولون" حال. وهذا الرأى منقول عن مجاهد وابن عباس فى قول آخر حيث نقل عنه أنه قال: أنا ممن يعلم تأويله.

ومن هنا نعلم أن تفسير الآية قد اختلف بناءً على اختلاف القراء حول موضع الوقف فيها. وإن شئت قلت: إن موضع الوقف قد اختلف حسب اختلاف نظرة العلماء إلى تفسيرها، فالتلازم واضح وظاهر بين موضع الوقف والتفسير.

هذا وقد حاول بعض العلماء التوفيق بين الرأيين ومنهم ابن عطية الذى قال: وهذه المسألة إذا تؤملت قرب الخلاف فيها من الاتفاق وذلك أن الله تعالى قسم آى الكتاب قسمين: محكماً ومتشابهاً فالمحكم هو المتضح المعنى لكل من يفهم كلام العرب ولا يحتاج فيه إلى نظر ولا يتعلق به شئ يلبس ويستوى فى علمه الراسخ وغيره. والمتشابه يتنوع، فمنه مالا يعلم البتة كأمر الروح وآماد المغيبات التى قد علم الله بوقوعها إلى سائر ذلك، ومنه ما يحمل على وجوه فى اللغة ومناح فى كلام العرب فيتأول تأويله المستقيم، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق به من تأويل غير مستقيم كقوله تعالى فى عيسى (وروح منه) إلى غير ذلك، ولا يسمى أحد راسخاً إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيراً بحسب ما قدر له، وإلا فمن لا يعلم سوى المحكم فليس يسمى راسخاً. اهـ

وقال الشوكانى: ومن أهل العلم من توسط بين المقامين فقال: التأويل يطلق ويراد به فى القرآن شيئان:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير