تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(ومنها بعد كلام طويل وسطور كثيرة) .. أحبابنا غرّوكم بالعاجز، فكما أنه لا يقبل قدح العدو في عدوه، فكذلك لا يقبل إطراء الحب لحبيبه، والذي نفسي بيده إني لخال مما تظن ويظنون فلا علم ولا عمل ولا صلاح ولا إخلاص، ووالله ما هو من هضم الأفاضل أنفسهم تواضعاً بل الإنسان على نفسه بصيرة، وأحمق الناس من ترك يقين نفسه لظن الناس، وأنا أحكي لكم مقدار بضاعتي تحقيقاً كأنكم ترونني رأي العين، والله على ما نقول وكيل. أما الأصل والنسب فلا نتعرض له كما قيل:

إن الفتى من يقول ها أنا ذا * ليس الفتى من يقول كان أبي

فأنا قد ربيتُ في معهد العلم من صغري، وقد وسّع الله علينا من رزقه، ما سهل به القراءة زمان التعلم والإقراء على شيوخ عديدة على اختلاف مشاربهم وتفاوت درجاتهم تفنناً وأخلاقاً، وارتحلت إلى بلدان عديدة، فجمعت بعض ما كان متفرقاً من العلوم والحمد لله، ولكن لهو الشباب حال بيني وبين الاستكمال في العلم والتهذيب، وأيضاً لا نعرف في بلادنا المغربية إلا التقليد الأعمى، فقد كنا نعد الفتوى بحديث البخاري ومسلم ضلالاً، وكما شدد علينا شيوخنا في ذلك، شددنا على تلاميذنا هناك، فالتاجر كما اشترى يبيع ويزيد المكسب، فمن ذلك أني عند سفري إلى المشرق استعار مني ابن أختي الخضر ابن الحسين الذي لقيتموه في المدينة (نيل الأوطار) للشوكاني، فما تركته حتى أقسم لي بالله أنه لا يتبعه فيما يقول، ومن ذلك أني وجدت في عام 1300 كتاب (الروضة الندية) للسيد صديق حسن خان يباع عند كتبي في مكسرة، اسمه الشيخ الأخضر السنوسي العقبي، فنهرته وزجرته، وقلت له: حرام عليك تبيع الروضة الندية، فصار يعتذر بمسكنة كأنه فعل خيانة، أما تصانيف ابن تيمية وابن القيم فو الله ما نظرت فيها سطراً لنفرة قلوبنا منها، ومن جهل شيئاً عاداه. لكن في العاجز رائحة استعداد وشوق للدليل، فلما ارتحلت إلى المشرق سنة 1316، واطلعت على كتب أهل هذا الشأن باستغراق الوقت لا واشي ولا رقيب، وأمعنت النظر بدون تعصب، فتح الله على القلب بقبول الحقيقة، وعرفت سوء الغشاوة التي كانت على بصري، وتدرجت في هذا الأمر حتى صارت كتب الشوكاني وصديق خان وشروح بلوغ المرام وما والاها أراها من أعز ما يطالع، أما كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم فمن لم يشبع ولم يرو بها فهو لا يعرف العلم.

ويلحق بها كتب السفاريني، وجلاء العينين للسيد نعمان، وآثار إبراهيم الوزير ونحوهم، ومنذ عرفت الحقائق، استرذلت الحكم بلا دليل والحمد لله (وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً).

ومن اللطائف أن في الشهر الأول والثاني من انفتاح البصيرة، ألقي إلي في مبشرة منامية قوله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). والحاصل فما ذكر لكم من تلك المناقب لم ألبس منها ثوباً قط، وإنما أنا محب لأهلها، وذاب عنهم، وناصر لهم، ولعله يشملني حديث (المرء مع من أحب) فمن وصفني بما زاد على ذلك، فقد استسمن ذا ورم، ونفخ في غير ضرم " (المرجع: مجلة الكويت، الجزء 10 العدد الأول، ورسالة: المكي بن عزوز - حياته وآثاره، للأستاذ على الرضا الحسيني).

تعليق

1 - رحم الله الشيخ ابن عزوز الذي حرص على معرفة الحق، وبذل السبب في السؤال عنه، ولم يركن إلى تقليد المغرضين؛ حتى شرح الله صدره له، وهكذا الموفق إذا ما تشوف قلبه للحق أدركه بحول الله.

2 - ورحم الله العلماء (البيطار والألوسي والقاسمي والرشيد) الذين بذلوا النصح له، وراسلوه بالأسلوب الحسن، وأخذوه بالرفق؛ حتى يسر الله رجوعه.

3 - في مراسلة الألوسي له فائدة؛ وهي أن يجتهد العلماء وطلبة العلم في مراسلة المعرضين والجاهلين؛ خاصة من الرؤوس والمشاهير، مع إتحافهم بالهدايا من الكتب والأشرطة النافعة التي ترشدهم، وتبين لهم الحق، ولايزهدوا في هذا الأمر، فربّ رسالة أو كتاب أو شريط قادت إلى نفع عظيم للإسلام والمسلمين. والله الهادي ..

ـ[سليمان الخراشي]ــــــــ[15 - 09 - 06, 08:08 م]ـ

تكميل

1 - ولد ابن عزوز في 15 رمضان 1270هـ وتوفي في 2صفر 1333هـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير