الأول: المعنى المرتبط بالجملة القصيرة، فإذا رأوا أنه قد تم كلامٌ وانتقل بعده إلى غيره، فإنه تام، وإن كان السياق والحديث لا زال في موضوعٍ معين.
الثاني: المعنى المرتبط بالقصة أو جملة الآيات التي تتحدث في موضوع واحدٍ، وهذه يقع فيها التمام.
وبسبب النوع الأول يصعب تحديد المراد بالمعنى عند علماء الوقف والابتداء؛ لأنهم لم يبينوا مرادهم به، ولذا تجدهم يختلفون في الحكم على الموضع: تماماً وكفايةً، نظراً لاختلافهم في المعنى، قال محمود علي بسة:» ثم إن الفرق بين الوقف التام والكافي غير محدد تحديداً منضبطاً عند جميع القراء، كالفرق بين الحسن والقبيح؛ لأن وجه الاختلاف بين التامِّ والكافي تعلقه بما بعده بالمعنى، أو لا، وهو أمر نسبي يرجع في إلى الأذواق في فهم المعاني واعتبار ما وقف عليه متعلقاً بما بعده في المعنى،أو مستغنياً عنه. ولذا تجد منهم من يعدُّ بعض الوقوف الكافية في نظر غيره تامة، والعكس … «().
ومع هذا الوضوح الفرق بين التعلق اللفظي والتعلق المعنوي، تجد من يجعل شيئاً مما به تعلق لفظي من قسم الكافي الذي يكون التعلق فيه بالمعنى، وهذا يدلُّك على عدم وضوح المراد بالمعنى.
ومن الأمثلة التي وقع فيها الحكم بالتعلق بالمعنى، وفيه تعلق لفظي، ما ذكره الداني في تمثيله للوقف الكافي، قال:» وذلك نحو الوقف على قوله:] حرمت عليكم أمهاتكم [] النساء: 23 [، والابتداء بما بعد ذلك في الآيةِ كلها … «().
وقد انتُقد الداني في تمثيله للوقف الكافي، ومن ذلك ما قاله السخاوي في جمال القراء:» وهذا ليس بالوقف الكافي؛ لأن هذه المواقف يتعلق ما بعدها بما قبلها في اللفظ والمعنى، وإنما هي من الأوقاف الحسان «().
وقال ملا علي قاري في تعليقه على تمثيل ابنِ ابنِ الجزري بهذا المثالِ:» وفيه أن الظاهر أن ما بين المعطوف والمعطوف عليه تعلق لفظي، فهو من قبيل الوقف الحسن «().
وما ذكره السخاوي وملاَّ علي قاري هو الصواب؛ لأن العطف رابط لفظي إعرابي، ثم إن البدء يقوله تعالى:] وبناتكم وأخواتكم … [] النساء: 23 [لا يفيد معنى مستقلاًّ؛ لأنه متعلق بقوله:] حرمت عليكم أمهاتكم [] النساء: 23 [.
وإنما يجوز البدء بأحد هذه المعطوفات للضرورة، وهي كثرة المعطوفات مع طول الآية، وعدم بلوغ النفَسِ نهايتها إلاَّ بتقطيعها. وقد نبَّه ابن الجزري أن مثل هذا الطول مما يتسامح الوقف فيه وإن كان من الوقف الحسن، قال:» يغتفر في طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة ونحو ذلك، وفي حالة جمع القراءات، وقراءة التحقيق والترتيل، مالا يُغتفر في غير ذلك، فربما أُجيز الوقف والابتداء لبعض ما ذكر، ولو كان لغير ذلك لم يُبَحْ، وهذا الذي يسميه السجاوندي: المرخص ضرورة «().
ولما كان (المعنى) في النوع الأول غير محدد تحديدا دقيقًا، فإنك تجد كثيرًا مما حُكِيَ فيه التمام بينه وبين ما بعده علاقة في المعنى تمنع أن يكون من قسم التامِّ.
ومن أمثلة ذلك: حكمهم بالتمام على قوله تعالى:] وجعلوا أعزة أهلها أذلة [] النمل: 27 [، قال ملاَّ علي قاري:» وقد يوجد قبل انقضاء الفاصلة؛ كقوله تعالى:] وجعلوا أعزة أهلها أذلة [] النمل: 27 [، قال ابن المصنف: هذا الوقف تامٌّ؛ لأنه انقضاء كلام بلقيس، وهو رأس آيةٍ أ. هـ. يعني قوله تعالى:] وكذلك يفعلون [] النمل: 27 [ابتداء كلام من الله شهادة على ما ذَكَرَتْهُ.
وفيه أنَّ له تعلقاً معنوياً، فلا يكون وقفه تاماً، بل كافياً.
وقال بعض المفسرين:] وكذلك يفعلون [أيضاً من كلامها تأكيدًا لما قبلها، فالوقف على] أذلة [كافٍ، وعلى] يفعلون [تامٌّ.
وقد يقال: لأنه كافٍ أيضاً؛ لأن ما بعده من جملة مقولها، فله تعلق معنوي بما قبله.
ثمَّ قال ـ أي: ابن المصنف ـ: وقد يوجد بعد انقضاء الفاصلة بكلمة؛ كقوله تعالى:] وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل [] الصافات: 137 ـ 138 [؛ لأنه معطوف على المعنى؛ أي: في الصبح والليل؛ يعني: فيهما.
وفيه البحث السابق؛ إذ من جملة التعلق المعنوي قوله:] أفلا تعقلون [] الصافات: 138 [، فهو وقف تامٌّ، وما قبله كافٍ «().
¥