ثم اعتزلت المعتزلة الأولى وعلى رأسهم واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، فتصدى لهم أئمة السنة أمثال: الحسن البصري، وأيوب السختياني، وابن عون، وثابت البناني، وابن سيرين، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، وأبي حنيفة، وابن المبارك، وهكذا كلما كثرت حشود البدعة تصدت لها جحافل السنة.
ولما نبغت الرافضة قيض الله لها أمثال: الشعبي، والشافعي وعبد الله ابن إدريس الأودي وغيرهما.
ولما برز رأس الجهمية الجهم بن صفوان، تصدى له سائر أئمة السلف: كالزهري، ومالك، وأبي حنيفة، ثم عبد الله بن المبارك، وأمثالهم.
ثم لما نبغ بشر المريسي رأس الجهمية في زمانه، تصدى له أمثال عثمان بن سعيد الدارمي، والشافعي، والكناني.
ولما احتشدت حشود الأهواء زمن المأمون، وبعدها من الجهمية والمعتزلة، ومن سار على نهجهم، وعلى رأسهم ابن أبي دؤاد، تصدى لهم إمام السنة وقامع البدعة الإمام أحمد بن حنبل، فكسرهم كسرة لم ينهضوا بعدها إلا متعثرين بحمد الله.
ولما تجمعت فلول الجهمية المعتزلة في آخر القرن الثالث، وصالت صولتها، قيض الله لها أبا الحسن الأشعري، وكان الخبير بعوارها، لأنه كان معتزليا فهداه الله للسنة، فحشر المعتزلة في قمع السمسمة – كما قيل – وكسرهم، فانهزموا هزيمة منكرة.
ولما نبغت نابغة الكلام وريثة الجهمية والمعتزلة، وبدأ أهل الكلام يخوضون في صفات الله تعالى والإيمان والقدر، تصدى لهم أئمة السلف في القرن الرابع والخامس: كالبربهاري، وابن خزيمة، وابن بطة، والهروي، واللالكائي، وابن مندة، والملطي، والصابوني، والآجري، وابن وضاح، والبغوي، وابن عبد البر، وأمثالهم.
وفي القرون: السادس والسابع والثامن، عمت البلوى بالبدع والأهواء والافتراق، وهيمنت الفرق في سائر البلاد الإسلامية، واستحكمت الصوفية ببدعها، وساد الكلام والفلسفة والباطنية والدجل، وتسلط الكفار على كثير من بلاد المسلمين في الشام وغيرها.
فقيض الله أمثال: الشاطبي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلاميذه (كابن القيم والذهبي)، فتصدى شيخ الإسلام لجحافل البدع وعساكر الضلالة، وجاهد في كل ميدان بلسانه وقلمه ويده، فقد تصدى لأهل الكلام، والفلاسفة، والباطنية، والصوفية، والرافضة، واليهود، والنصارى، والصابئة.
كما كان مجاهداً بعلمه ولسانه وسيفه للكفار التتار، والنصارى الصليبيين والبغاة، وكان يشجع المسلمين على الجهاد في كل ميدان، وله في ذلك إسهامات مشهورة مشهودة.
وكان ناصحاً لولاة المسلمين وأئمتهم، يذكرهم، ويعظهم، ويحثهم على الجهاد ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر بحكمة وقوة، كما كان ناصحاً لعامة المسلمين وعلمائهم، وكان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، هو وأتباعه يصدع بذلك، ولا يخاف في الله لومة لائم، حتى أبان الله به السنة، ونصر الله به راية السلف، وكشف الله به أهل البدع وعقائدهم ومناهجهم، وحتى أقام الحجة، وأبان المحجة، ونصر الملة، ولا تزال آثاره ومؤلفاته مرجعاً لكل صاحب سنة، وقذىً في عين كل صاحب بدعة، وفيها فرقان بين الحق وأهله، وبين الباطل وأهله، رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
وفي العصور المتأخرة: استحكمت البدع والشركيات، وانتشرت الطرق الصوفية والمقابرية، والعادات الجاهلية خاصة في جزيرة العرب. فتصدى لها ناصر السنة وقامع البدعة: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، فطهر الله بدعوته المباركة أرض جزيرة العرب خاصة الحجاز ونجد وما حولها من البدع والشركيات والمقابرية والصوفية الضالة، كما نفع الله بدعوته سائر أقطار المسلمين، حيث اعتزت بها السنة وأنصارها، وانتصرت السلفية، واحتمت، وآوت إلى ركن شديد، حيث قامت لها وعليها دولة نشرتها وحمتها بالسيف والقلم وهي الدولة السعودية أعزها الله بالإسلام ونصر بها السنة وأهلها.
ولا نزال بحمد الله نرى ثمار هذه الدعوة في كل مكان، رغم تكالب جحافل البدعة، وما أجلبوه عليها بخيلهم ورجلهم: بالسب، والهمز، واللمز، وإعلان العداوة، وصد الناس بشتى الوسائل، والله غالب على أمره.
¥