أمَّا قضية رأيي -كما ذكرتم- في هذه الكتب، وفي ردِّهم على الشيخ ابن منيع والعلماء في المملكة؟
فأنا -يا أخي- أقول لك: إنَّ الشيخ ابن منيع -جزاه الله خيراً- والعلماء الذين كتبوا في ذلك، وبالأخص كتاب الشيخ ابن منيع؛ لأنَّ كتابه يركِّز على قضية المولد.
خلافنا مع الصوفية
أحب أن أقول: إنَّ القضية التي نختلف نحن والصوفية فيها ليست هي قضية المولد، القضية أكبر من ذلك وأعظم.
الصوفية ديانة قديمة، معروفة لدى الهنود، ولدى اليونان القدماء، جاءت هذه الديانة ودخلت وتغلغلت في الإسلام باسم الزنادقة، والزنادقة هم الذين أدخلوها في الإسلام باسم التصوف، والتعبد، وباسم الزهد -كما سنعرض ذلك إن شاء الله- فالخلاف معهم ليس محصوراً فقط في تعظيم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أراد الرفاعي، والبحريني، وكذلك المغاربة، وإن كانت كتبهم تتحدث عن منزلة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن عظمته ومعجزاته وخوارقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى آخره.
نقول: بغض النظر عمَّا احتوته هذه الكتب مِن الأباطيل، والتناقضات، والشركيات؛ فالخلاف بيننا وبينهم ليس في قضية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً، هذه جزئية، نعم. هي إحدى فروع المسائل التي نختلف نحن وإيَّاهم فيها، أنَّهم غَلَوا، واشتطوا، حتى شابهوا النَّصارى، ونحن اقتصدنا وعظَّمْنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما عظمه الله به، وبما صحَّ في سنَّته وسيرته.
ليس الموضوع هو أنَّهم يحبون رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر منَّا -كما يزعمون- والخلاف بيننا وبينهم ليس في المولد، وليس في كيفية الذكر، أو في أنواع التوسل التي أطالوا وأطنبوا في تفصيلها، وليس في تعريف البدعة، هل هي خمسة أنواع، أو نوعين، أو نوع واحد؟
لا؛ الخلاف بيننا وبين الصوفية هو خلاف بين الإسلام وبين ديانة وثنية فلسفية قديمة، خلاف في الربوبية، والألوهية، أهي لله وحده، أم له فيها شركاء كما يدَّعون؟!
لأنَّ دعوى الصوفية أنَّ الربوبية والألوهية -أو كثيراً من حقائق الألوهية والربوبية- يمكن إعطاؤها للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو للأولياء، أو مَن يسموهم الصالحين، هذا: شركٌ أكبر، لكن ليست هذه فقط!! يعني: الصوفية لم تكتفِ بأن تَصرِفَ الألوهية لهؤلاء، وإنَّما صرفتْها للزنادقة، والدجالين، والكهان، والمشعوذين.
ولابد أنَّكم تعرفون الرجل الذي عندنا هنا في مكة، يُدعى: السيد الأهدل، وقد سألني بعض النَّاس يقول: هل أذهب لأتعالج عنده؟
وهذا هو شيخ محمد علوي مالكي، رجلٌ خرافيٌّ، يقول للناس: أحضِروا تَيْساً أسود، واذبحوه، ولا تذكروا اسم الله، وافعلوا كذا، وافعلوا كذا ونحوها من الشعوذات والكهانات وينجِّم للرجل وللمرأة، ويقول: نجم المرأة كذا، ونجم الرجل كذا، فإن كانت النُّجوم متطابقة قال: لا بأس أن تتزوجها. شعوذات غريبة ينقلها لنا العوام هنا في مكة فمن مثل هذا الدجل والشعوذة، يصرفون ربوبية الله، وألوهيته للمشعوذين، والدجالين، المتعاطين السحر، المتعاملين مع الجن، الذين يقولون: نحن نعلم الغيب، ويطلبون مِن المريدين أن يقدِّموا لهم العبوديات التي لا تليق إلا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
عقيدتنا في الرب تعالى
نحن نعرف أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو وحده المتصرف في الكون، هذه حقيقة لا يمكن أن يماري فيها أي مسلم، ونعرف أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي عنده اللوح المحفوظ، وهو الذي يمحو ما يشاء ويثبت، وهو الذي يحي ويميت، وهو الذي يعلم ما تسقط مِن ورقة في ظلمات البرِّ والبحر، والذي يفتح أبواب الجنَّة لمن شاء، أو يفتح أبواب النار -والعياذ بالله- لمن يريد، وهو الذي يسلب الإيمان مِن القلوب، أو يضع فيها اليقين، ولا أحدَ يملك ذلك غيره، ونعتقد أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يغيث الملهوفين في الكربات، والظلمات، ويعلم ما في سرائر القلوب، وما تختلج به الخواطر، إلى غير ذلك.
لكن هؤلاء القوم يقولون إنَّ مِن أوليائهم مَن يتصرف في الأكوان، فتراهم يقولون في حلقة الذكر الجيلانية: عبد القادر يا جيلاني [6] يا مصرف الأكوانِ!!
فإذا كان عبد القادر الجيلاني هو المتصرف في الأكوان، فماذا بقي لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!
¥