وسأنقل إليكم أدلةً كثيرةً جدّاً مِن كتاب الشعراني تدل على هذا الشرك الأكبر، منها: أنهم يذكرون أنَّ هناك مَن يرى اللهَ، ومَنهم مَنْ يخاطبُه في الدنيا، ويكلِّمه، ومَن يقول له: هذا حلال، وهذا حرام.
ويذكرون: أنَّ هناك منهم مَن يستأذن جبريل قبل أن يبدي رأيه، حيث يأتي المريد يسأله فيقول: أمهلني حتى أستأذن جبريل!! فيسأل جبريل فيجيبه!!
ويذكرون: أنَّ منهم مَن يمسك الشمس عن الغروب! ومنهم مَن يعلم مِن أسرار القرآن ما لا يعلمه ملَكٌ مقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ! ويقولون: إن الولي فلان كان يحك رأسه بقائمة عرش الرحمن! ويقولون: إن فلاناً جاءه أحدُ المريدين، وقال له: لماذا لا تحج؟
فقال: هل يحج مَن تطوف حوله الكعبة؟!
قال المريد: كيف ذلك؟
فقال: انظر، ورأى الكعبة وهى تطوف حول الشيخ!! وهى تُغنِّي -أي: الكعبة- وتقول: إن له رجالاً، دلِّلهم دَلاَلاً.
أشياء كثيرةٌ جدّاً إن شاء الله سأتعرض لبعضها.
هل التصوف اليوم مجرد زهد وأذكار؟!
المقصود: أن بعضكم -أي: بعض الشباب هناك في أمريكا وغيرها- يحسبون أنَّ التصوف مجرد زهد، وأذكار، واحتقار لمتاع الدنيا الفاني!
وبعض الناس قد يتعاطف مع المتصوفة بناءً على هذا الاعتبار، الحقيقة -يا أخي-: إن التصوف ليس هو المولد، وليس هو مجرد الذِّكر، أو مجرد الزهد -كما يدَّعون- وإنَّما الصوفية دينٌ آخر، وعالَمٌ آخر، إذا دخله الإنسان وبدأ فيه: فعليه أن يخلع عقلَه عند عتبة الدخول، وهناك يدخل في عالم غريب، عالَمٌ يُخيِّلُ إليك -عندما تقرأ في كتب طبقاتهم ورجالهم- كأنَّك تقرأ في القصص الخرافيَّة، مثل سيف بن ذي يزن [7] ومثل: عنترة [8] وكتب الأسمار، والأخبار، وغير ذلك.
مصدر التلقي عند الصوفية
والذي أحب أنْ أقوله: إنَّ كتاب الرفاعي، وكتاب البحريني، وكتاب هؤلاء المغاربة جاء على خلاف الأصل عند الصوفية، كيف هذا؟
الأصل عند الصوفية: أنَّ مصدر التلقِّي، ومصدر المعرفة؛ ليس هو القرآن والسنَّة؛ حتى يأتي هؤلاء فيقولون: قال الله تعالى كذا، وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا، صحيح أنكم يا أهل السنة تضعِّفون الحديثَ؛ ولكن نحن نصححه! والمسألة: خلافية، ولا داعي للتكفير! ولماذا يكفِّر بعضُنا بعضاً في مسألة خلافية؟!
ونحن نهتم بحرب الصهيونيَّة، والشيوعية، ولا نختلف فيما بيننا ... إلى آخر كلامهم من مثل هذا الافتراء والدجل.
أقول: منهج هؤلاء النَّاس: ليس هو هذا، أنت ترثي الإنسان عندما يحارب في غير ميدانه، أو عندما يتكلف ما لا قِبَل له به.
فالأصحاب هناك مع المريدين يرقصون في الحضرة! ويتلقون العلم اللدنِّي -كما يسمُّونه- العلم الحقيقي مباشرة، وهذا جالس يقول: هذا الحديث صحيح، وهذا ضعيفٌ، وهذا كذا وهذا خلاف الأصل! المفروض أن يذهب يرقص معهم ويتلقَّى من هناك العلم على زعمهم.
فأقول لك: إنَّ كلامك في قضية "أنك تقول: إن بعض الطلبة الكويتيين قالوا: إن هاشم الرفاعي ليس هو الذي كَتَبَ الكتاب"، نعم، الحقيقة أنَّ معهم حقٌّ في ذلك؛ لأنَّ أسلوب الكتاب يذكِّرني ببعض كتبٍ كتَبَها أناسٌ مِن المبتدعة، وردُّوا بها على أهل السنة قبل خمس عشرة سنة، أو نحو ذلك، وبعضهم أعرِف أنَّه موجودٌ في الكويت، فلا شك أنَّ هناك تعاوناً.
ومِن أدلة التعاون: هذا التظافر الموجود؛ هذا مِن المغرب، وهذا مِن البحرين، وهذا مِن الكويت، وقالوا: سيخرج كتاب لرجل مِن مصر، وواحدٌ مِن اليمن، كما هو مذكور في هذه الكتب.
أقول: إنَّ هذا ليس أسلوب الصوفية أن يأتوا إلى الحديث، ويصحِّحوه، أو يضعِّفوه؛ ليأخذوا منه الحقيقة والعلم، لا.
الحلاج [9]-إمامهم المتقدم - الذي قُتل بالزندقة -بعد أن ثبت ذلك عنه- ما كان يعتكف ليتعبَّد، ويدعو الله عز وجل، فتنكشف له بعض الأشياء -مثلاً- ويقول: هذا علمٌ أطلعني الله عليه، لا، بل ذهب إلى الهند، ورأى سحرة الهند يقف الواحد منهم على رأسه الأيام الطويلة بدون أكل، ولا شرب، ولا نوم، فتعلَّم هذه الرياضة منهم، فإذا وقف على رأسه هذه الفترة: يدخل في المرحلة التي يسمونها [المالوخوليا] وتأتي له صور وخيالات مِن الجوع، ومِن هذه الانتكاسة، ومِن الشياطين، ويخيَّل له أشياء، ومخاطبات، وكلام، فيقول: الله خاطبني! أو الرب كلَّمني! أو كذا، ثمَّ يترقَّى إلى أنْ يقول: أنا الله!! [10] ما في الجبَّة إلا
¥