يقول: ' الخامسة -مِن فِرقهم-: الحلوليَّة، وهم طائفةٌ مِن هؤلاء القوم الذين ذكرناهم، يرَوْن في أنفسهم أحوالاً عجيبة، وليس لهم مِن العلوم العقليَّة نصيبٌ وافر، فيتوهَّمون أنَّه قد حصل لهم الحلول أو الاتحاد -أي: بالله تعالى- يقول: فيدَّعون دعاوى عظيمة، وأوَّل مَن أظهر هذه المقالة في الإسلام الروافض؛ فإنَّهم ادَّعوا الحلول في حقِّ أئمَّتهم '.
هنا فائدة مهمة وهي: أنَّ الرازي يربط الصوفية بالشيعة، وهو ربط مؤكد -كما سبق أن قلنا- يقول الرازي:
' السادسة: المباحية، وهم قوم يحفظون طامَّاتٍ لا أصل لها، وتلبيساتٍ في الحقيقة، وهم يدَّعون محبة الله تعالى وليس لهم نصيبٌ مِن شيءٍ مِن الحقائق؛ بل يخالفون الشريعة، ويقولون: إن الحبيب رُفع عنه التكليف، وهم الأشرُّ مِن الطوائف، وهم في الحقيقة على دين مزدك، كما سنذكر بعد هذا '. وهذا الدين هو أصل الشيوعية، ودين مزدك كما تكلم عنه هو يقول: ' إن المزدكية هم أتباع مزدك بن موبذان، وكان موبذان في زمن قباز بن فيروز والد أنو شروان العادل، ثمَّ ادَّعى النُّبوة، وأظهر دين الإباحة، وانتهى أمره إلى أن ألزم قبَّاز أن يبعث امرأته ليتمتع بها غيره!! فتأذى أنو شروان مِن ذلك الكلام -أي: تأذى مِن كلامه- وقال لوالد الملك: اترك بيني وبينه لأناظره؛ فإنْ قطعني طاوعته، وإلا قتلته، فلمَّا تناظر مع أنو شروان: انقطع مزدك - يعني: انقطع في المناظرة وأفحم - وظهر عليه أنو شروان، فقتله وأتباعه، وكلُّ مَن هو على دين الإباحة في زماننا هذا فهم بقية أولئك القوم '.
هذا كلامه عن المزدكية، ويقول: الصوفية، والفرقة المسمَّاة المباحية منهم على دين مزدك، الذي هو أصل الشيوعية، وأصل نظريَّة كارل ماركس الذي كما ذكر هؤلاء الخرافيون يقولون: أنتم مشتغلون بالردِّ على المسلمين، وتتركون الشيوعية!!
فهذا الرازي، وهو إمامٌ مِن أئمَّة الأشاعرة وكتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين مطبوع موجود، يقول: إنَّ الصوفية تلتقي بالمزدكية بمعنى أن: الشيوعية والصوفية تلتقي عند مزدك، فهذا هو كلامهم، وليس كلامنا نحن.
الإمام عباس السكسكي وموقفه من الصوفية
ومن الرازي -المتوفى سنة (606 هـ) - ننتقل إلى أحد الأئمَّة مِن علماء اليمن، يسمَّى عباس بن منصور السكسكي قيل: إنَّه كان حنبليّاً -وهذا غريب في أئمَّة اليمن - وقيل: إنَّه شافعيٌّ، وعلى كل حال يمكن مراجعة ترجمته في كتاب الأعلام [3/ 268، ط 4]
هذا الإمام السكسكي المتوفى سنة (683هـ)، وهو أيضاً من المتقدمين -كتب كتاباً اسمه: البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان، وهذا الكتاب مطبوع.
يقول في آخر الكتاب: 'قد ذكرتُ هذه الفرقة الهادية، المهديَّة -أي: أهل السنة - وأنَّها على طريقةٍ متَّبعةٍ لهذه الشريعة النبويَّة ... وغير ذلك مما هو داخل تحت الشريعة المطهرة، ولم يشذ أحدٌ منهم عن ذلك سوى فرقة واحدةٍ تسمَّت بالصوفية، ينتسبون إلى أهل السنة، وليسوا منهم، قد خالفوهم في الاعتقاد، والأفعال، والأقوال.
أمَّا الاعتقاد: فسلكوا مسلكاً للباطنية الذين قالوا: إن للقرآن ظاهراً، وباطناً، فالظاهر: ما عليه حملة الشريعة النبويَّة، والباطن: ما يعتقدونه، وهو ما قدَّمتُ بعض ذكره.
فكذلك أيضاً فرقة الصوفية، قالت: إنَّ للقرآن والسنَّة حقائق خفيَّة باطنة غير ما عليه علماء الشريعة مِن الأحكام الظاهرة التي نقلوها خَلَفاً عن سلف، متصلة بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأسانيد الصحيحة، والنقلة الأثبات، وتلقته الأمَّة بالقبول، وأجمع عليه السواد الأعظم، ويعتقدون أنَّ الله عز وجل حالٌّ فيهم!! ومازج لهم!! وهو مذهب الحسين بن منصور الحلاج المصلوب في بغداد في أيام المقتدر -الذي قدمتُ ذكره الروافض في فصل فرقة الخطابيَّة - ولهذا قال: أنا الله -تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً- وأنَّ ما هجس في نفوسهم، وتكلموا به في تفسير قرآنٍ، أو حديثٍ نبويٍّ، أو غير ذلك مما شَرَعوه لأنفسهم، واصطلحوا عليه: منسوب إلى الله تعالى، وأنَّه الحق، وإِنْ خالف ما عليه جمهور العلماء، وأئمَّة الشريعة، وفسَّرتْه علماء أصحابه، وثقاتهم، بناءً على الأصل الذي أصَّلوه مِن الحلول، والممازجة، ويدَّعون أنَّهم قد ارتفعت درجتُهم عن التعبدات اللازمة للعامَّة، وانكشفت لهم حجب الملكوت، واطَّلعوا
¥