وقد بيَّن الله تعالى لنا طريق محبتِه أعظمَ البيان، فقال الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].
فذكر أنَّهم يجاهدون في سبيل الله، وأنَّهم يتَّبعون رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هؤلاء هم الذين يحبُّون الله.
التلاعب بالأدعية المشروعة
وننتقل إلى نصٍّ آخر، يقول محمد علوي مالكي صفحة [135]-في هذا الكتاب المختار - نقلاً من كلام علي بن موفق قال: ' اللهمَّ إن كنتَ تعلم أنِّي أعبدك خوفاً مِن نارك فعذِّبني بها! وإن كنتَ تعلم أنِّي أعبدك حبّاً لجنتك فاحرمني منها! وإن كنتَ تعلم أنِّي إنما أحبُّك حبّاً منِّي لك، وشوقاً إلى وجهك الكريم: فأبِحْنيه، واصنع بي ما شئت!! '
هذا كلام عجيب! يجعل أدعية النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلم الكثيرة في الاستعاذة مِن النَّار، وما أمرنا به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن نقوله في القرآن: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، ودعاء الذين ذكرهم الله تعالى في آخر سورة آل عمران [ .. فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191]، هذه الآيات كلها باطل! ولهو! ولعب عند الصوفية! والصحيح، والدين الحق -عندهم-: هو المحبة المطلقة، أو ما يسمونه: العشق المطلق، يعني: كلمة ثيوصوفية، عِشق الله عِشقاً مطلقاً، محبة مطلقة، هذه هي التي كانت عند الهنود، وهذه التي ينقلها محمد علوي مالكي وجماعته، ويقولون: إنَّهم لا يشتهون الجنَّة، وإنَّهم زهَّاد في الدنيا، ومع ذلك ينقل هو -المالكي - في صفحة [129] من كتابه عن بشر الحافي، ' أنَّه اشتهى الشواء أربعين سنةً!! '
أقول: فكيف يجمع المالكي بين نقله عن هؤلاء الذين لا يشتهون الجنَّة، وبين نقله عن بشر، وعن -أيضاً- رجلٍ يُدعى إسماعيل الدويري أنَّه اشتهى حلوى كذا سنين.
فهذا التناقض كيف يوفِّق بينه هذا الرجل؟
بأنَّ بشراً الحافي رحمه الله مِن أمثلهم، وأفضلهم، بل هو ليس صوفياً، إنَّما رجلٌ، فاضلٌ، عابدٌ.
والإمام أحمد رحمه الله إنما أخذ على بشر أنه لم يتزوج، وهذا مأخذ شرعي، رحم الله الإمام أحمد في ذلك، فهو يثبت لبشر الحافي التعبُّد، والزهد، والورع، ولكنَّه انتقده؛ لأنَّه لم يتزوج: فقد عدَّه الإمام أحمد مخالفاً للسنَّة في هذا.
ونعود إلى كلام المالكي نستعرض ما في هذا الكتاب الذي سمَّاه كما قلنا المختار من كلام الأخيار، والأخيار عند الصوفية هم البهاليل، أو المجانين، أو المجاذيب منهم!!
الكرامات عند الصوفية
يقول أيضاً عن إبراهيم بن سعد العلوي 'مِن كراماته: معرفة ما في الخاطر، والمشي على الماء، وحرَّك شفتيه فخرجت الحيتان مِن البحر مدَّ البصر رافعةً رءوسها، فاتحةً أفواهها' إلى آخره.
يعني: أن إبراهيم كان يعرف ما في الخاطر، وكان يستطيع أن يمشى على الماء، وكان يجمع الحيتان مدَّ البصر بحركة مِن شفتيه!! [24]
مثل هذه الكرامات -علم الغيب- تربطنا بقضيةٍ كبيرةٍ جداً تعرَّض لها هؤلاء الخرافيُّون الأربعة -وهم: الرفاعي، والبحريني، والمغربييْن- وهيَ قضية: أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب! ودافعوا عن علوي مالكي في ذلك.
ومن المعلوم أن الصوفية حينما يدَّعون أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب، ويُكثرون من الكلام على معجزات النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يريدون أن يثبتوا بذلك الكرامات للأولياء؛ لأنَّهم يقولون: [كل ما ثبت للنَّبيِّ معجزة، فهو للولي كرامة] فإذا أيقنتَ، وآمنتَ أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الغيب: فيجب عليك -تبعاً- أنْ تعتقد، وتؤمن بأنَّ الأولياء يعلمون الغيب أيضاً؛ لأنَّ هذه للنَّبيِّ معجزة، وهذه للوليِّ كرامة، والفرق بينهما: أنَّ النَّبيّ يدَّعي النُّبوة، والوليُّ لا يدعيها، وأما
¥