ظاهر أو صورة الخارق للعادة فهي صورة واحدة، وهذا سيأتي له بسط إن شاء الله فيما بعد.
المقصود: أنَّ هذا الرجل ينقل هذا الهراء، وهذه الخرافات، ويسميها كرامات!
الزهد في طلب الجنة
ونستمر معه وهو يتكلم عن النوري ويقول: ' سئل النوري عن الرضا، فقال: عن وجدي تسألون؟
أم عن وجُد الخَلق؟
فقيل: عن وجدك، فقال: لو كنتُ في الدرك الأسفل مِن النَّار لكنتُ أرضى ممن هو في الفردوس!! ' [25] نسأل الله العافية.
معنى كلامه هذا: أن الله عز وجل لو وضعه في الدرك الأسفل مِن النَّار سيكون أرضى عن الله تعالى، وعمَّا هو فيه ممن هو في الفردوس!! لماذا هذا الرضا؟
يَظنون أنَّهم بهذا يرتفعون عن درجة العامَّة، هم خاصة الله، أهل الرضا، محبتهم بلغت بهم إلى هذا الحد مِن محبة الله بزعمهم، أمَّا العامَّة، ومنهم -في نظرهم والعياذ بالله-: الأنبياء فهؤلاء يخافون مِن النَّار، ولا يرضون بها، فهم بزعمهم أعلى درجةً مِن الأنبياء! وحصلت لهم أحداث تدل على كذبهم في ذلك؛ فإنَّ سامون، وقيل: إنَّه رويم لما أراد أن يَمتحن محبته، فصنع بيتاً من الشعر فقال:
لم يبق لي في سواك بد فكيفما شئتَ فامتحنيِّ
فامتحنه الله بعسر البول، فحبس بوله عن الخروج، فكان يصرخ في الطريق، وينادي الصبيان، ويقول: احثو التراب على عمِّكم المجنون، أو انظروا إلى عمكم المجنون.
هذه بعض الأمثال -نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العافية- ولا ندَّعي كما يدَّعي هؤلاء الزنادقة -وهم فعلاً زنادقة- أنهم يعتقدون عبادة الله عز وجل بالحب وحده، وكما نعلم أن السلف جميعاً قالوا: ' مَن عَبَد الله بالخوف وحده فهو: حروري - يعني: مِن الخوارج - ومَن عَبَد الله بالحبِّ وحده فهو: زنديق، ومَن عبده بالرجاء وحده فهو: مرجئ، ومَن عبده بالخوف والرجاء والحب فهو: السنيِّ '.
فمن عبده بالحب وحده فهو زنديق، وهذا يتفق مع ما ذكره المؤلِّفون في الفرق وهم: الإمام خشيش، والأشعري، والرازي، والسكسكي هؤلاء كلهم أئمَّة فرَقٍ وذكرنا النُّقول عنهم في أنَّ هؤلاء زنادقة، فهذه العبارة أيضاً تتفق مع ذلك، فما كان المدَّعون للحبِّ المجرد عند السلف إلا زنادقة؛ لأنَّهم يُبطنون، ويخرجون جزءاً مهمّاً جدّاً مِن أعمال القلوب وهي من أنواع العبادات العظمى، وهي: عبودية الرجاء، وعبودية الخوف، فيسقطونها بالحب.
والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قلنا- ذكر عن أنبيائه أنَّهم يسألونه الجنَّة، ويستعيذون به من النَّار، وإمام الموحدين إبراهيم عليه السلام يقول كما في سورة الشعراء: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85].
فكيف يدَّعي هؤلاء أنَّهم أعظم مِن خليل الرحمن سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأعلى درجةً منه، بل وبلغ بهم الاستخفاف أنَّهم نقلوا - كما في طبقات الشعراني - أنَّ رابعة العدوية [26] قالت لما قرئ عندها قول الله تبارك وتعالى: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:20 - 21]، ' يَعدوننا بالفاكهة والطير كأنَّنا أطفال!! ' نعوذ بالله مِن الاستخفاف، وسواء صحَّ عنها أنَّها قالت ذلك أو لم يصح، فالمهمُّ أن مَن نقل هذا الكلام فهو مقر بهذا الاستخفاف بنعيم الله عز وجل وبجنته.
فالتناقض -كما قلنا- أنَّهم ينقلون مثل هذا الكلام؛ مع نقلهم أنَّ فلاناً اشتهى الشواء أربعين سنَة، وهذا اشتهى الحلوى كذا سنة!!
ماذا يريد هؤلاء الزنادقة مِن مثل هذه الأمور؟
لا شك أنهم يريدون إسقاط التعبدات، وبعد أنْ نستكمل قراءة كتاب المالكي، هذا الكتاب -كما قلنا- لم يطلع عليه بعض النَّاس، أو ربما رأوه ولكنهم لم ينتبهوا لما فيه، ولم يردَّ عليه أحدٌ، ونحن نقول لهؤلاء الخرافيين الذين يدافعون عن الذخائر: انظروا أيضاً إلى هذا الكتاب، واجمعوا فكر الرجل مِن جميع جوانبه، ثم انظروا أيضاً ما هي صلته بالإسلام، أو بالتصوف الذي هو الدين القديم.
الرياء الكاذب
يقول المالكي ' قال رويم: مكثتُ عشرين سَنَة لا يعرِض في سرِّي ذكر الأكل حتى يحضر ' [27]
أي: أن مِن زهده أنه لا يعرض له في خاطره ذكر الأكل إلا إذا حضر أمامه.
ونحن نقول:
¥