فمِن أعظم أعمال القطب الأعظم: التشريع، فهو يشرِّع لهم الأذكار، والأوراد، والأدعية، ثم يستعملونها وهي -كما يزعمون- ترفع المريدين إلى الملأ الأعلى، وتوصلهم إلى العرش، بالقوة الروحانيَّة! كما في كتاب -وهو مطبوع- أوراد الرفاعية، وأيضاً الأوراد الشاذلية تقرأ فيها أن لهذا الذكر قوة روحانية عظمى دافعة ... إلخ، هذه القوة الروحانية -في زعمهم- تجعل الذاكر المريد يرى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقظة، بل تجعله يرى الله تعالى بزعمهم!!
ونختار من هذه التشريعات قضيتين كانتا مما ناقش وجعجع حولها الرفاعي -وتعرض لها أصحابه أيضاً- وهي قضية صلاة الفاتح، والقضية الثانية: قضية التوحيد والوحدة.
صلاة الفاتح ذكَر نصَّها الرفاعي في صفحة [67] مِن "ردِّه"، وهي: "اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيِّدنا محمَّد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، وناصر الحق بالحق، الهادي إلى صراطك المستقيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله حق قدره، ومقداره العظيم". 37
وأعرف ممن هداهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ممن كان في جانبهم مَن أحضرها لي، وذكر لي كم يقولونَها مِن مَرَّات، وماذا يحصل نتيجة هذه القراءة، وأيضاً هناك مصدر وثيق موجود وهو كتاب التيجانية فقد ذكَر هذه الصلاة، وتعرَّض لها.
والذي يهمُّنا هنا هو أنها من أعمال القطب، قول الرفاعي -نقلاً عن القسطلاني -: ' إن هذه الصلاة أنفاسٌ رحمانيَّة، وعوارف صمدانيَّة -أي: كأنها مِن أنفاس الرحمن، ومن عوارف الصمد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لقطب دائرة الوجود، وبدر أساتذة الشهود، تاج العارفين، سيِّدنا، وأستاذنا، ومولانا الشيخ محمد بن أبي الحسن البكري ' 38 إلخ.
مادام أن هذا القطب البكري هو الذي وضعها، وهو الذي كتبها: فهي أنفاس رحمانية، وعوارف صمدانية، ولا يحق لأحدٍ أن يعترض عليها على الإطلاق، والتيجانية أخذوها لأنها عن هذا القطب.
ويقول مؤلف كتاب التيجانية صفحة (116): ' قال مؤلف جواهر المعاني: ثم أمرني بالرجوع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صلاة الفاتح لما أُغلق، فلما أمرني بالرجوع إليها سألته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن فضلها؛ فأخبرني أولاً بأنَّ المرة الواحدة منها تعدل مِن القرآن ست مرات!! '
أي: الذي يقرأ هذه الصلاة مرة واحدة كأنه قرأ القرآن ست مرات! لاحظوا مَن الذي يزدري كتاب الله، ويحتقره، وبالتالي يحتقر رسول الله ويكرهه ولا يحبه؟
' ثم أخبرني ثانياً: أن المرة الواحدة منها تعدل مِن كل تسبيحٍ وقع في الكون، ومِن كلِّ ذكرٍ، ومِن كل دعاءٍ كبيرٍ أو صغيرٍ، ومن القرآن: ستة آلاف مرة؛ لأنَّه مِن الأذكار أي: القرآن.
ثم ذكر أيضاً في [1/ 117]: ' إنهم يعتقدون أنها مِن كلام الله، وفى ذلك يقول مؤلف الرماح إنَّ مِن شروط هذه الصلاة: أنْ يعتقد أنَّها مِن كلام الله '، وهاشم الرفاعي نفسه في "ردِّه" ينقل أنَّها أنفاس رحمانية مِن أنفاس الرحمن.
إذاً: هذا يؤيد ما قلناه مِن أن القطب عندهم له درجة الألوهية حتى أنَّه يشرِّع هذه الأشياء، ويقول: إنَّها مِن الله، وأنَّ على الذاكر أن يعتقد أنَّها مِن كلام الله.
ويقول أيضاً مؤلف التيجانية: ' وقال أيضاً مؤلف حلية المستفيد: مع اعتقاد المصلي أنها ليست من تأليف البكري، ولا غيره، لأنها وردت من الحضرة القدسية، مكتوبة بقلم القدرة في صحيفة نورانية.
هذه هي صلاة الفاتح، وهذه قيمتها عندهم، وهي أيضاً مِن كلام الله عند الصوفية ولها هذه المنزلة.
وفي صفحة [110] مِن الذخائر يذكر محمد علوي مالكي هذه الصلاة ويشرحها.
فهذا رفاعي على الطريقة الرفاعية، وهذا تيجاني على الطريقة التيجانية، والمالكي طريقته -أظن- على الطريقة الحسينيَّة العربيَّة في مصر.
فالطرق تختلف لكنهم يتفقون كلهم على هذه الصلاة التي يقولون فيها: إنَّ مَن ذكرها، وقرأَ بها فإنها أفضل مِن القرآن ستَّة آلاف مرة، فهل بعد ذلك من كفرٍ، وهل فوق هذا من شرك؟
أقول: هذا فيما يتعلق بقضية صلاة الفاتح، والقضية الأخرى التي من تشريعات الأقطاب أو من كلام الأقطاب قضية: الوحدة والتوحيد.
الوحدة والتوحيد
العبارة التي يقولها الصوفية وهى: "اللهم اقذف بي على الباطل فأدمغه، وزُجَّني في بحار الأحدية! وانشلني من أوحال التوحيد! ".
¥