يقول الرفاعي في شرح هذه العبارة -مهاجماً الشيخ ابن منيع لأنه هاجمها-: ' فنحن نقول لشرح معنى هذه العبارة التي التبست عليهم -يعني: على العلماء في المملكة -[وزُجَّني في بحار الأحدية، وانشلني من أوحال التوحيد] إن التوحيد لغةً: الحكم بأنَّ الشيء واحد، والعلم بأنه واحد، والتوحيد شرعاً: إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته، والتصديق به ذاتاً، وصفاتاً، وأفعالاً'.
ثم يقول: 'والتوحيد في اصطلاح أهل الحقيقة مِن الصوفية: تجريد الذات الإلهية عن كل ما يتصور في الأفهام، ويخيل في الأذهان، والأوهام!! ' انتهى كلام الرفاعي.
إذاً: نقول: أنت الآن تفرق بين التوحيد عند الصوفية، وبين التوحيد شرعاً، كما هو نص كلامك: التوحيد شرعاً: هو إفراد المعبود بالعبادة، والتوحيد عند أهل الحقيقة: هو تجريد الذات الإلهية ... إلى آخره.
فهذه هي القضية، أنهم يفرِّقون بين الشريعة، وبين الحقيقة، فنحن أهل السنة والجماعة أهل شرع، واتِّباع، ولا يمكن للواحد منَّا أن يدعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يخرجه عن التوحيد -والعياذ بالله- لأنَّه مادام التوحيد هو إفراد الله بالعبادة في الشرع -كما يذكر هو أيضاً باعترافه-: فنحن ندعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثبِّتنا على التوحيد، وأن يميتنا موحِّدين، ويبعثنا موحِّدين.
لكن الصوفية لما كان عندهم علم الحقيقة، والتوحيد في عرف الحقيقة وفى اصطلاح الحقيقة شيء آخر: فهُم يدعون الله تعالى ليل نهار أن يخرجهم من التوحيد الذي هو توحيد أهل الشريعة.
ويقول: نحن لا نقصد الخروج من التوحيد بمصطلحنا، أو مصطلح الحقيقة؟
لا، إنما يخرجنا من التوحيد بمصطلحكم أنتم يا أهل الشريعة؛ ليلقيه في بحار الأحدية التي ليس فيها أوهام ولا تخيلات في الأذهان، بل هي كما يعبِّر عنها ويقول: هي التوحيد، وهي حقيقة التحقيق لمعرفة كمال وجمال وجلال الأحدية ... إلخ.
إذاً: نقول لهؤلاء: باعترافكم هذا، ومن كلامكم هذا ماذا تقولون؟
هل كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التوحيد الذي عرَّفتموه بأنه التوحيد شرعاً؟
أو على الأحدية التي تريدون أن ينتشلكم الله إليها، ويزج بكم في بحارها؟
نسألكم، ونقول لكم: الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما أرسل معاذاً إلى اليمن، وقال له -كما في الروايات الصحيحة في البخاري [39] {فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله} الكلام لا يخلو من أمرين: إما أن يكون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاهلاً -وحاشاه من ذلك- بأن فوق التوحيد درجة عليا هي درجة الأحدية هذه، ولذلك أرسل معاذاً بالدرجة التي يعلمها فقط، وهي التوحيد دون درجة الأحدية؛ حتى جاء أصحاب الكشف والفيض الأفلاطوني، والذوق، والتيجاني في القرون المتأخرة، أو البكري ووضعوا مثل هذه الأفكار والأدعية التي تُعلِّم الناس التوحيد، وحقيقة التوحيد؟
وإما أن تقولوا: إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِم التوحيد الشرعي وعلَّم أمته؛ لكن هذا التوحيد هو عين الشرك! وعلَّم الأمة في الجملة عين الشرك، وكتَم التوحيد الحقيقي الذي هو الأحدية! وهذا -والعياذ بالله- اتهام للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحاشاه أن يكتم شيئاً مما علمه الله.
أو تقولوا كلاماً آخر: وهو أن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم توحيد الشريعة للعامة، وعلَّم الأحدية للخاصة، ربما يكون هذا مِن أقوالكم؛ فاختاروا ما شئتم وكلها لا زمة لكم مهما تنصلتم.
والمضحك فعلاً: أن الرفاعي عندما يدافع عن هذه العبارة يقول: هذه لا غبار عليها، لا تنكروا علينا أننا ندعو الله أن ينشلنا مِن التوحيد إلى الوحدة فهذا هو الصحيح!!
إذاً أنت تدعو الله أن ينتشلك من التوحيد الذي هو إفراد المعبود شرعاً، أو ينتشلك من التوحيد الذي عرَّفته أنه توحيد الحقيقة؟ فسواء هذا أو هذا فأنت تدعو الله أن ينتشلك منه، إما توحيد أهل الشريعة، وإما توحيد أهل الحقيقة، فتدعو الله أن ينتشلك من التوحيد، على أي التعريفين تعريف أهل الشريعة، أو الحقيقة.
ولهذا أقول: إن الرجل لا يعي ما يقول، لكن مِن المؤكد أن الأقطاب الذين وضعوا هذه العبارة يعون ذلك جيداً، ويفهمون دلالتها، وأنَّه ينتشلهم من هذا ومن ذاك ليتحقق لهم وحدة الوجود التي هي عندهم عين الأحدية.
رجال الغيب
¥