ويقولون: أليس الله تعالى أغلى وأعظم مِن الدرهم والدينار؟
والمجتمِع مع الله أليس هو أعظم ممن هو مجتمِع على قليلٍ مِن المال يخشى أن يضيع منه؛ فيجوز له -عندكم وفي فقهكم- أن يترك الجمعة لأجله؟!
ويقولون: أنتم تقولون: إن الإنسان إذا أغمي عليه؛ فانكشفت عورته فهذا جائز، وقد يكون هذا الإغماء بسبب ضربة شمس، أو لمرضٍ، أو نحوه، فلا حرج عليه أن تكشف عورته.
وتذكرون -أيضاً- في كتبكم يا أهل السنة أن زوج بريرة كان يتبعها في طرقات المدينة، ودموعه تنحدر حبّاً لها، ولم يُحرَّج عليه في ذلك، وكان ذلك في عهد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [42] لا تُنكرون ذلك؟ وتنكرون على مَن يكون إغماؤه لآية سمعها، أو كشفٍ جَلَّى له الحق فأغمي عليه وكشفت عورته، وأخذ يصرخ ويقول: أنا الحق، أنا الحق، أنا الله، أنا الله!! كيف تُعذرون مَن سقط وتكلَّم بما لا يدري من مرضٍ أو نحوه، وبين مَن لم يسقط إلا حبّاً، ووجداً، وهياماً بالمعبود الحق، وبالحبيب الأعظم، وهو الله تعالى عندهم!!
أقول: رأى الزنادقة أن هذه هي أخطر وسيلة لهدم دين الإسلام، وإبعاد الأوامر والنواهي وإبطالها، وإبطال الجهاد، وإبطال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واندثار أمر الإسلام بالكلية، والقصص في ذلك كثيرة، منها: ما ذكره شَيْخ الإِسْلامِ، وتحدَّث عنه في كتاب الاستقامة: أن بعضهم كان إذا سمع المؤذن قال له: اسكت يا كلب! لعنك الله! أو نحو ذلك وينهره ويشتمه، وكثيرٌ مِنهم كان يصنع هذا، فإذا قيل له: كيف تقول ذلك؟!
قال: هؤلاء أهل الظاهر يؤذِّن في الظاهر، وهو في الباطن لا يعلم حقيقة التوحيد الذي يقوله عندما يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، فإذا نقدهم أحد كيف تقول للمؤذن هذا الكلام؟
يقول: هذا مِن ولايته، هذا مِن فهمه للتوحيد يشتم المؤذن؛ لأنه يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وهو لا يدرك التوحيد ... إلى غير ذلك.
المهم أن هذه طريقة لإسقاط الأوامر والنواهي، فأنت لا تنكر على أي إنسان منهم؛ لأنك لا تدري -في عرفهم، وفي كلامهم- أن هذا المجذوب الذي تراه مطروحاً على المزبلة والناس هناك يصلون؛ ربما أنه لا يفعل هذا إلا تستراً، وإلا فهو قوَّام بالليل، وبكَّاء بالسَّحَر، وأوَّاه منيبٌ في خلوته حين ينقطع عن الخلق وينفرد بالحق.
وما يدريك أنك قد تنكر على رجلٍ سكران في الشارع، وليس بسكران سُكْر خمرٍ إنما هو سُكْر الوله، والمحبة، والوجد، والشوق!!
أيضاً: قد ترى امرأة عارية الشعر والنَّحر تتواجد وتتمايل، فتقول: هذه لاهية، أو راقصة، أو مطربة، وهي وليَّة! مستغرقة في عين الجمع مع الله! أنت ترى جسدها على الأرض، ولكن قلبها في السماء عند الله، أو في العرش!!
ويمكن أن ترى مجنوناً يرغي ويزبد ويطارد الصبيان في الشوارع، وتقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به"، أو نحو ذلك، لكن لا تدري -على كلامهم- أنك أنت المبتلى بحجاب الغفلة، هذا عارفٌ مِن العارفين، أو بَدلٌ مِن الأبدال، تستَّر بالجنون حتى لا يُدرى من هو، وتكون هذه الولاية خاصة بينه وبين الله، حتى يلومه النَّاس فيما يفعل؛ فيحصُل له الأجر مِن لومهم.
أقول: إن مثل هذا الكلام هو: تلبيس للحقائق، وإضاعة للمعايير التي نعرف بها الصالح مِن الطالح، والمجنون مِن الصحيح، فتضيع المعايير، ثم تنشر هذه الترهات والخزعبلات بين عامة المسلمين وجهلتهم، خاصة في المناطق النائية في القديم، فماذا يكون رد الفعل عند المسلمين إذا اعتقدوا أن الولي ليس الذي يدرِّس كتاب الله، والصحيحين في المسجد الحرام -مثلاً- أو يجاهد في سبيل الله؟
وإنما الولي: هذا الأشعث الأغبر القذر المنتن، الذي نراه يلتقط القمائم مِن جوار الحرم، ولا يمد يده لأحدٍ لأنَّه متوكلٌ، فيقول: ربما كان هو "القطب الأعظم"! أمَّا هذا الذي يمكث في الحَرَم يُدرِّس البخاري، أو فتح الباري فهذا من علماء الظاهر، ومِن الناس العاديين، وليس مِن "رجال الغيب"، ولا مِن "أهل الحقائق" فهنا الخطورة.
وتحت هذا اللَّبس يذكرون الكرامات، ويذكرون الشركيات الشنيعة، ويدافعون عن ذلك دفاعاً مريراً، وأنا أنقل نصّاً واحداً يبين ذلك من كتاب المشْرَع الروي في فضائل آل با علوي نقلاً عِن اليافعي الذي له كتاب مرآة الجنان وهو مليء بهذه الخرافات أيضاً.
¥