لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل انما ادعو ربي ولا أشرك به احدا قل انى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل انى لن يجيرنى من الله احد ولن اجد من دونه ملتحدا أى ملجأ ومعاذا الا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا حتى اذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من اضعف ناصرا واقل عددا
ثم لما سمعت الجن القرآن اتوا الى النبى وآمنوا به وهم جن نصيبين كما ثبت ذلك فى الصحيح من حديث ابن مسعود وروى انه قرأ عليهم سورة الرحمن وكان اذا قال فبأى آلاء ربكما تكذبان قالوا ولا بشىء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد ولما اجتمعوا بالنبى سألوه الزاد لهم ولدوابهم فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه اوفر ما يكون لحما وكل بعرة علفا لدوابكم قال النبى فلا تستنجوا بهما فانهما زاد لاخوانكم من الجن وهذا النهى ثابت عنه من وجوه متعددة وبذلك احتج العلماء على النهى عن الاستنجاء بذلك وقالوا فاذا منع من الاستنجاء بما للجن ولدوابهم فما اعد للانس ولدوابهم من الطعام والعلف اولى واحرى
ومحمد أرسل الى جميع الانس والجن وهذا أعظم قدرا عند الله تعالى من كون الجن سخروا لسليمان عليه السلام فانهم سخروا له يتصرف فيهم بحكم الملك ومحمد أرسل اليهم يأمرهم بما أمر الله به ورسوله لأنه عبد الله ورسوله ومنزلة العبد الرسول فوق منزلة النبى الملك
وكفار الجن يدخلون النار بالنص والاجماع وأما مؤمنوهم فجمهور العلماء على انهم يدخلون الجنة وجمهور العلماء على ان الرسل من الانس ولم يبعث من الجن رسول لكن منهم النذر وهذه المسائل لبسطها موضع آخر
والمقصود هنا ان الجن مع الانس على احوال
فمن كان من الانس يأمر الجن بما أمر الله به رسوله من عبادة الله وحده وطاعة نبيه ويأمر الانس بذلك فهذا من أفضل اولياء الله تعالى وهو فى ذلك من خلفاء الرسول ونوابه
ومن كان يستعمل الجن فى أمور مباحة له فهو كمن استعمل الانس فى أمور مباحة له وهذا كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم فى مباحات له فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا اذا قدر انه من اولياء الله تعالى فغايته ان يكون فى عموم اولياء الله مثل النبى الملك مع العبد الرسول كسليمان ويوسف مع ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
ومن كان يستعمل الجن فيما ينهى الله عنه ورسوله إما فى الشرك واما فى قتل معصوم الدم او فى العدوان عليهم بغير القتل كتمريضه وانسائه العلم وغير ذلك من الظلم واما فى فاحشة كجلب من يطلب منه الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الاثم والعدوان ثم ان استعان بهم على الكفر فهو كافر وان استعان بهم على المعاصى فهو عاص إما فاسق وإما مذنب غير فاسق وان لم يكن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يظن انه من الكرامات مثل ان يستعين بهم على الحج أو ان يطيروا به عند السماع البدعى أو ان يحملوه الى عرفات ولا يحج الحج الشرعى الذى امره الله به ورسوله وأن يحملوه من مدينة الى مدينة ونحو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به
وكثير من هؤلاء قد لا يعرف ان ذلك من الجن بل قد سمع ان اولياء الله لهم كرامات وخوارق للعادات وليس عنده من حقائق الايمان ومعرفة القرآن ما يفرق به بين الكرامات الرحمانية وبين التلبيسات الشيطانية فيمكرون به بحسب اعتقاده فان كان مشركا يعبد الكواكب والاوثان اوهموه انه ينتفع بتلك العبادة ويكون قصده الاستشفاع والتوسل ممن صور ذلك الصنم على صورته من ملك او نبى او شيخ صالح فيظن انه صالح وتكون عبادته فى الحقيقة للشيطان قال الله تعالى ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة اهؤلاء اياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك انت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون
ولهذا كان الذين يسجدون للشمس والقمر والكواكب يقصدون السجود لها فيقارنها الشيطان عند سجودهم ليكون سجودهم له ولهذا يتمثل الشيطان بصورة من يستغيث به المشركون فان كان نصرانيا واستغاث بجرجس أو غيره جاء الشيطان فى صورة جرجس أو من يستغيث به وان كان منتسبا إلى الاسلام واستغاث بشيخ يحسن الظن به من شيوخ المسلمين جاء فى صورة ذلك الشيخ وان كان من مشركى الهند جاء فى صورة من يعظمه ذلك المشرك
¥