ثم ان الشيخ المستغاث به ان كان ممن له خبرة بالشريعة لم يعرفه الشيطان انه تمثل لأصحابه المستغيثين به وان كان الشيخ ممن لا خبرة له بأقوالهم نقل اقوالهم له فيظن أولئك ان الشيخ سمع اصواتهم من البعد واجابهم وإنما هو بتوسط الشيطان
ولقد أخبر بعض الشيوخ الذين كان قد جرى لهم مثل هذا بصورة مكاشفة ومخاطبة فقال يروننى الجن شيئا براقا مثل الماء والزجاج ويمثلون له فيه ما يطلب منه الاخبار به قال فأخبر الناس به ويوصلون إلى كلام من استغاث بى من أصحابى فأجيبه فيوصلون جوابى اليه
وكان كثير من الشيوخ الذين حصل لهم كثير من هذه الخوارق اذا كذب بها من لم يعرفها وقال انكم تفعلون هذا بطريق الحيلة كما يدخل النار بحجر الطلق وقشور النارنج ودهن الضفادع وغير ذلك من الحيل الطبيعية فيعجب هؤلاء المشايخ ويقولون نحن والله لا نعرف شيئا من هذه الحيل فلما ذكر لهم الخبير انكم لصادقون فى ذلك ولكن هذه الأحوال شيطانية اقروا بذلك وتاب منهم من تاب الله عليه لما تبين لهم الحق وتبين لهم من وجوه انها من الشيطان ورأوا انها من الشياطين لما رأوا انها تحصل بمثل البدع المذمومة فى الشرع وعند المعاصى لله فلا تحصل عندما يحبه الله ورسوله من العبادات الشرعية فعلموا انها حينئذ من مخارق الشيطان لأوليائه لا من كرامات الرحمن لأوليائه
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب واليه المرجع والمآب وصلى الله وسلم على محمد سيد رسله وانبيائه وعلى آله وصحبه وانصاره واشياعه وخلفائه صلاة وسلاما نستوجب بهما شفاعته آمين
قاعدة شريفة فى المعجزات والكرامات
وقال الشيخ الامام العالم العلامة العارف الربانى المقذوف فى قلبه النور القرآنى شيخ الاسلام تقى الدين ابو العباس أحمد بن تيمية رضى الله عنه وارضاه الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضاه واشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا إله سواه واشهد ان محمدا عبده ورسوله الذى اصطفاه واجتباه وهداه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
قاعدة شريفة فى المعجزات والكرامات وإن كان اسم المعجزة يعم كل خارق للعادة فى اللغة وعرف الأئمة المتقدمين كالامام احمد بن حنبل وغيره ويسمونها الآيات لكن كثير من المتأخرين يفرق فى اللفظ بينهما فيجعل المعجزة للنبى و الكرامة للولي وجماعهما الأمر الخارق للعادة
فنقول صفات الكمال ترجع إلى ثلاثة العلم والقدرة والغنى وان شئت ان تقول العلم والقدرة والقدرة إما على الفعل وهو التأثير وإما على الترك وهو الغنى والأول اجود وهذه الثلاثة لا تصلح على وجه الكمال الا لله وحده فانه الذى احاط بكل شىء علما وهو على كل شىء قدير وهو غنى عن العالمين
وقد امر الرسول ان يبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم انى ملك ان اتبع إلا ما يوحى الى وكذلك قال نوح عليه السلام فهذا أول أولى العزم واول رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض وهذا خاتم الرسل وخاتم اولى العزم كلاهما يتبرأ من ذلك وهذا لأنهم يطالبون الرسول تارة بعلم الغيب كقوله ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين و يسألونك عن الساعة ايان مرساها قل انما علمها عند ربى وتارة بالتأثير كوله وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتى بالله والملائكة قبيلا إلى قوله قل سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا وتارة يعيبون عليه الحاجة البشرية كقوله وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الاسواق لولا انزل اليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى اليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها
فأمره ان يخبر انه لا يعلم الغيب ولا يملك خزائن الله ولا هو ملك غنى عن الاكل والمال إن هو الا متبع لما اوحى اليه واتباع ما اوحى اليه هو الدين وهو طاعة الله وعبادته علما وعملا بالباطن والظاهر
وانما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله تعالى فيعلم منه ما علمه اياه ويقدر منه على ما اقدره الله عليه ويستغنى عما اغناه الله عنه من الامور المخالفة للعادة المطردة او لعادة غالب الناس
¥