وأما المركبات فتكثيره للطعام غير مرة فى قصة الخندق من حديث جابر وحديث أبى طلحة وفى أسفاره وجراب أبى هريرة ونخل جابر بن عبد الله وحديث جابر وابن الزبير فى انقلاع النخل له وعوده إلى مكانه وسقياه لغير واحد من الأرض كعين أبى قتادة
وهذا باب واسع لم يكن الغرض هنا ذكر أنواع معجزاته بخصوصه وإنما الغرض التمثيل
وكذلك من باب القدرة عصا موسى عليه السلام وفلق البحر والقمل والضفادع والدم وناقة صالح وابراء الا كمه والأبرص واحياء الموتى لعيسى كما ان من باب العلم اخبارهم بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتهم وفى الجملة لم يكن المقصود هنا ذكر المعجزات النبوية بخصوصها وإنما الغرض التمثيل بها
وأما المعجزات التى لغير الأنبياء من باب الكشف والعلم فمثل قول عمر فى قصة سارية وأخبار ابى بكر بان ببطن زوجته أنثى واخبار عمر بمن يخرج من ولده فيكون عادلا وقصة صاحب موسى فى علمه بحال الغلام
و القدرة مثل قصة الذى عنده علم من الكتاب وقصة أهل الكهف وقصة مريم وقصة خالد بن الوليد وسفينة مولى رسول الله وابى مسلم الخولانى واشياء يطول شرحها فان تعداد هذا مثل المطر وإنما الغرض التمثيل بالشىء الذى سمعه سمعه أكثر الناس واما القدرة التى لم تتعلق بفعله فمثل نصر الله لمن ينصره وأهلاكه لمن يشتمه
فصل الخارق كشفا كان أو تأثيرا
أن حصل به فائدة مطلوبة فى الدين كان من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا واما واجب واما مستحب وان حصل به أمر مباح كان من نعم الله الدنيوية التى تقتضى شكرا وان كان على وجه يتضمن ما هو منهى عنه نهى تحريم أو نهى تنزيه كان سببا للعذاب أو البغض كقصة الذى اوتى الآيات فانسلخ منها بلعام بن باعوراء لكن قد يكون صاحبها معذورا لاجتهاد أو تقليد أو نقص عقل أو علم أو غلبة حال أو عجز أو ضرورة فيكون من جنس برح العابد
و النهى قد يعود إلى سبب الخارق وقد يعود إلى مقصوده فالأول مثل أن يدعو الله دعا منهيا عنه اعتداء عليه وقد قال تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية أنه لا يحب المعتدين ومثل الأعمال المنهى عنها إذا أورثت كشفا أو تأثيرا والثانى ان يدعو على غيره بما لا يستحقه أو يدعو للظالم بالاعانة ويعينه بهمته كخفراء العدو وأعوان الظلمة من ذوى الاحوال فإن كان صاحبه من عقلاء المجانين والمغلوبين غلبة بحيث يعذرون والناقصين نقصا لا يلامون عليه برحية وقد بينت فى غير هذا الموضع ما يعذرون فيه وما لا يعذرون فيه وان كانوا عالمين قادرين كانوا بلعامية فان من أتى بخارق على وجه منهى عنه أو لمقصود منهى عنه فاما ان يكون معذورا معفوا عنه كبرح أو يكون متعمدا للكذب كبلعام
فتلخص أن الخارق ثلاثة أقسام محمود مع الدين ومذموم فى الدين ومباح لا محمود ولا مذموم فى الدين فان كان المباح فيه منفعة كان نعمة وان لم يكن فيه منفعة كان كسائر المباحات التى لا منفعة فيها كاللعب والعبث
قال أبو على الجوزجانى كن طالبا للاستقامة لا طالبا للكرامة فان نفسك منجبلة على طلب الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة قال الشيخ السهروردى فى عوارفه وهذا الذى ذكره أصل عظيم كبير فى الباب وسر غفل عن حقيقته كثير من أهل السلوك والطلاب وذلك أن المجتهدين والمتعبدين سمعوا عن سلف الصالحين المتقدمين وما منحوا به من الكرامات وخوارق العادات فأبدا نفوسهم لا تزال تتطلع إلى شىء من ذلك ويحبون ان يرزقوا شيئا من ذلك ولعل احدهم يبقى منكسر القلب متهما لنفسه فى صحة عمله حيث لم يكاشف بشىء من ذلك ولو علموا سر ذلك لهان عليهم الامر فيعلم ان الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك بابا والحكمة فيه ان يزداد بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة تفننا فيقوى عزمه على هذا الزهد فى الدنيا والخروج عن دواعى الهوى وقد يكون بعض عباده يكاشف بصدق اليقين ويرفع عن قلبه الحجاب ومن كوشف بصدق اليقين أغنى بذلك عن رؤية خرق العادات لأن المراد منها كان حصول اليقين وقد حصل اليقين فلو كوشف هذا المرزوق صدق اليقين بشىء من ذلك لازداد يقينا فلا تقتضى الحكمة كشف القدرة بخوارق العادات لهذا الموضع استغناء به وتقتضى الحكمة كشف ذلك لآخر لموضع حاجته وكان هذا الثانى يكون اتم استعدادا وأهلية من الأول فسبيل الصادق مطالبة النفس بالإستعانة فهى كل الكرامة ثم إذا وقع فى طريقه شىء خارق كان كأن لم يقع فما يبالى
¥