تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واما الآخر أيضا فلا يحصل بالخوارق إلا مع الدين والدين وحده موجب للآخرة بلا خارق بل الخوارق الدينية الكونية ابلغ من تحصيل الآخرة كحال نبينا محمد وكذلك المال والرياسة التى تحصل لأهل الدين بالخوارق إنما هو مع الدين وإلا فالخوارق وحدها لا تؤثر فى الدنيا الا أثرا ضعيفا

فإن قيل مجرد الخوارق ان لم تحصل بنفسها منفعة لا فى الدين ولا فى الدنيا فهى علامة طاعة النفوس له فهو موجب الرياسة والسلطان ثم يتوسط ذلك فتجتلب المنافع الدينية والدنيوية وتدفع المضار الدينية والدنيوية

قلت نحن لم نتكلم إلا فى منفعة الدين او الخارق فى نفسه من غير فعل الناس وأما ان تكلمنا فيما يحصل بسببها من فعل الناس فنقول اولا الدين الصحيح أوجب لطاعة النفوس وحصول الرياسة من الخارق المجرد كما هو الواقع فانه لا نسبة لطاعة من اطيع لدينه الى طاعة من أطيع لتأثيره إذ طاعة الاول اعم واكثر والمطيع بها خيار بنى آدم عقلا ودينا واما الثانية فلا تدوم ولا تكثر ولا يدخل فيها الاجهال الناس كأصحاب مسيلمة الكذاب وطليحة الاسدى ونحوهم وأهل البوادى والجبال ونحوهم ممن لا عقل له ولا دين

ثم نقول ثانيا لو كان الخارق يناله من الرياسة والمال أكثر من صاحب الدين لكان غايته ان يكون ملكا من الملوك بل ملكه أن لم يقرنه بالدين فهو كفرعون وكمقدمى الاسماعيلية ونحوهم وقد قدمنا أن رياسة الدنيا التى ينالها الملوك بسياستهم وشجاعتهم واعطائهم اعظم من الرياسة بالخارق المجرد فان هذه أكثر ما يكون مدة قريبة

الخامس ان الدين ينفع صاحبه فى الدنيا والآخرة ويدفع عنه مضرة الدنيا والآخرة من غير ان يحتاج معه الى كشف او تأثير

وأما الكشف أو التأثير فان لم يقترن به الدين وإلا هلك صاحبه فى الدنيا والآخرة اما فى الآخرة فلعدم الدين الذى هو اداء الواجبات وترك المحرمات واما فى الدنيا فان الخوارق هى من الامور الخطرة التى لا تنالها النفوس إلا بمخاطرات فى القلب والجسم والأهل والمال فانه إن سلك طريق الجوع والرياضة المفرطة خاطر بقلبه ومزاجه ودينه وربما زال عقله ومرض جسمه وذهب دينه وإن سلك طريق الوله والاختلاط بترك الشهوات ليتصل بالأرواح الجنية وتغيب النفوس عن اجسامها كما يفعل مولهوا الاحمدية فقد ازال عقله وأذهب ماله ومعيشته وأشقى نفسه شقاء لا مزيد عليه وعرض نفسه لعذاب الله فى الآخرة لما تركه من الواجبات وما فعله من المحرمات وكذلك إن قصد تسخير الجن بالاسماء والكلمات من الاقسام والعزائم فقد عرض نفسه لعقوبتهم ومحاربتهم بل لو لم يكن الخارق الا دلالة صاحب المال المسروق والضال على ماله أو شفاء المريض أو دفع العدو من السلطان والمحاربين فهذا القدر إذا فعله الانسان مع الناس ولم يكن عمله دينا يتقرب به إلى الله كان كأنه قهرمان للناس يحفظ أموالهم أو طبيب أو صيدلى يعالج أمراضهم أو أعوان سلطان يقاتلون عنه إذ عمله من جنس عمل أولئك سواء

ومعلوم ان من سلك هذا المسلك على غير الوجه الدينى فان يحابى بذلك أقواما ولا يعدل بينهم وربما اعان الظلمة بذلك كفعل بلعام وطوائف من هذه الأمة وغيرهم وهذا يوجب له عداوة الناس التى هى من أكثر اسباب مضرة الدنيا ولا يجوز ان يحتمل المرء ذلك الا إذا امر الله به ورسوله لأن ما أمر الله به ورسوله وان كان فيه مضرة فمنفعته غالبة على مضرته والعاقبة للتقوى

السادس ان للدين علما وعملا اذا صح فلا بد ان يوجب خرق العادة اذا احتاج إلى ذلك صاحب قال الله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وقال تعالى ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وقال تعالى ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا اجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما وقال تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى فى الحياة الدنيا وفى الآخرة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير