وقد قدمنا غير مرة أن شيخ الإسلام لم ينكر الزيارة الشرعية ولم ينه عنها ولم يكرهها بل ندب إليها واستحبها وحض على فعلها وقد قال في أثناء كلامه في الجواب عما اعترض به عليه بعض المالكية بعد أن ذكر لفظه فقال: قال المعترض وورد في زيارة قبره أحاديث صحيحة وغيرها مما لم تبلغ درجة الصحيح لكنها يجوز الاستدلال بها على الأحكام الشرعية ويحصل بها الترجيح. قال: والجواب من وجوه: أحدها أن يقال: لو ورد من ذلك ما هو صحيح لكان إنما يدل على مطلق الزيارة وليس في جواب الاستفتاء ـ يعني جوابه وفتواه ـ نهي عن مطلق الزيارة ولا حكى في ذلك نزاع في ذلك الجواب. إ. هـ
ونقل الإجماع وأقرّ أن ابن تيمية لا يخرم هذا الإجماع وهو موافق له.
الموضع السادس عشر:
وقال في الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص339):
والمقصود أن ما حكى القاضي عياض فيه الإجماع لم ينه عنه في الجواب ـ أي جواب ابن تيمية ـ بل السفر إلى مسجده وزيارته على الوجه المشروع سنة مجتمع عليها كما ذكره القاضي.
الموضع السابع عشر:
وأما ابن القيم فيكفي قوله في النونية (2/ 42):
فإذا أتينا المسجد النبوي صلـ
ينا التحية أولاً ثنتان
بتمام أركان لها وخشوعها
وحضور قلب فعل ذي الاحسان
ثم انثنينا للزيارة نقصد الـ
قبر الشريف ولو على الأجفان
فنقوم دون القبر وقفة خاضع
متذلل في السرّ والإعلان
فكأنه في القبر حيّ ناطق
فالواقفون نواكس الأذقان
ملكتهم تلك المهابة فاعترت
تلك القوائم كثرة الرجفان
وتفجرت تلك العيون بمائها
ولطالما غاضت على الأزمان
وأتى المسلم بالسلام بهيبة
ووقار ذي علم وذي إيمان
لم يرفع الأصوات حول ضريحه
كلا ولم يسجد على الأذقان
كلا ولم يُر طائفاً بالقبر أسـ
بوعاً كأن القبر بيت ثان
من انثنى بدعائه متوجهاً
لله نحو البيت ذي الأركان
هذي زيارة من غدا متمسكاً
لشريعة الإسلام والإيمان
من أفضل الأعمال هاتيك الزيا
رة وهي يوم الحشر في الميزان
لا تلبسوا الحق الذي جاءت به
سنن الرسول بأعظم البرهان
هذي زيارتنا ولم ننكر سـ
ـوى البدع المضلة يا أولي العدوان العدوان
بعد هذه النقول إياك أن تعتقد أن هذه المواضع على سبيل الحصر كلا فمثيلاتها كثيرة لكنني انتقيت منها ما ألحظ أنه يفي بالغرض.
فإن قلت ـ رعاك الله ـ: إذاً ما هي المواضع التي جعلت بعض المشايخ يفهم ما فهم وكيف يكون توجيهها؟
والجواب: أن هناك مقولات لابن تيمية مجملة وعلى نَفَسه بالكتابة والتأليف ففهم ما لم يرده، وعند شرحها وفك إجمالها سيتبين لك وضوح معناها ومقصدها وأنها متلائمة مع آرائه وله موضع آخر إن شاء الله وإنما عجلت في كتابته لما رأيت الأمر منتشراً عند الناس مع أني كنت سمعت به منذ مدة ولكني لم أتوقع انتشاره بهذه الصورة فاستلزم الأمرَ المسارعةُ في الكتابة صيانة لجناب رسولنا ـ ? ـ وصاحبيه، وصيانة لمنهج السلف أن يجد فيه أعداؤهم ما يلبسون به على العوام في توقيرهم واحترامهم لنبيهم ـ ? ـ.
هذا ما سنح على عجل والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[أبو فاطمة الحسني]ــــــــ[17 - 05 - 07, 04:07 م]ـ
والثاني: أن زيارته كما يزار غيره ممتنعة؟ وإنما يصل الإنسان إلى مسجده وفيه يفعل ما شرع له.
الثالث: أنه لو كان قبر نبينا يزار كما تزار القبور؟ لكان أهل مدينته أحق الناس بذلك كما أن أهل كل مدينة أحق بزيارة من عندهم من الصالحين فلما اتفق السلف وأئمة الدين على أن أهل مدينته لا يزورون قبره بل ولا يقفون عنده للسلام إذا دخلوا المسجد وخرجوا وإن لم يسمى هذا زيارة، بل يكره لهم ذلك عند غير السفر كما ذكر ذلك مالك وبين أن ذلك من البدع التي لم يكن صدر هذه الأمة يفعلونه: علم أن من جعل زيارة قبره مشروعة كزيارة قبر غيره فقد خالف إجماع المسلمين.
¥