تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم يبدأ من النطفة أو التراب لأن خلق آدم من تراب لم يشاهدوه ولأن النطفة ليست بلازم لها خلق الإنسان فقد تقذف في غير رحم كالمحتلم وقد تكون فيه ولا تكون مخلقة. وهذا في ذاته وجيه ولكن لا يبعد أن يقال إن السورة في مستهل الوحي وبدايته فهي كالذي يقول إذا كنت بدأت بالوحي إليه ولم يكن من قبل ولم يوجد منه شيء بالنسبة إليك فليس هو بأكثر من إيجاد الإنسان من علقة بعد أن لم يكن شيئاً وعليه يقال لقد تركت مرحلة النطفة مقابل مرحلة من الوحي قد تركت أيضاً وهي فترة الرؤيا الصالحة كما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان أول ما بدىء به الوحي الرؤيا الصالحة يراها فتأتي كفلق الصبح فكان ذلك إرهاصاً للنبوة وتمهيداً لها لمدة ستة أشهر ولذا قال صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة وهي نسبة نصف السنة من ثلاث وعشرين مدة الوحي ولكن الرؤيا الصالحة قد يراها الرجل الصالح ومثل ذلك تماماً فترة النطفة فقد تكون النطفة ولا يكون الإنسان كما تكون الرؤيا ولا تكون النبوة أما العلقة فلا تكون إلا في رحم وقرار مكين ومن ثم يأتي الإنسان مخلقاً كاملاً أو غير مخلق على ما يقدر له فلما كانت فترة النطفة ليست بلازمة لخلق الإنسان وكان مثلها فترة الرؤية ليست لازمة للنبوة ترك كل منها مقابل الآخر ويبدأ الدليل بما هو الواقع المسلم على أن الله تعالى هو الخالق والخالق للإنسان من علقة فكان فيه إقامة الدليل من ذاتية المستدل فالدليل هو خلق الإنسان والمستدل به هو الإنسان نفسه كما في قوله تعالى وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ فيستدل لنفسه من نفسه على قدرة خالقه سبحانه وإذا تم بهذا الاستدلال على قدرة الرب الخالق كان بعده إقامة الدليل على صحة النبوة ورسالة الرسول صلى الله عليه وسلم فجاءت المسألة السادسة وهي إعادة القراءة في قوله اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاٌّكْرَمُ إذ أقام الدليل على أنك مرسل من الله تبلّغ عنه وتقرأ باسمه فاعلم أن تلك القراءة وهذا الوحي من ربك الأكرم والأكرم قالوا هو الذي يعطي بدون مقابل ولا انتظار مقابل والواقع أن مجيء الوصف هنا بالأكرم بدلاً من أي صفة أخرى لما في هذه الصفة من تلاؤم للسياق ما لا يناسب مكانها غيرها لعظم العطاء وجزيل المنة فأولاً رحمة الخليقة بهذه القراءة التي ربطت العباد بربهم وكفى وثانياً نعمة الخلق والإيجاد فهما نعمتان متكاملتان الإيجاد من العدم بالخلق والإيجاد الثاني من الجهل إلى العلم ولا يكون هذا كله إلاَّ من الرب الأكرم سبحانه ثم تأتي المسألة الثامنة وهي من الدلالة على النبوة والرسالة وربك الأكرم الذي علم بالقلم سواء كان الوقف على اقرأ وابتداء الكلام وربك الأكرم الذي علم بالقلم أو الوقف على الأكرم وابتداء الكلام الذي علم بالقلم لأن من يعلم الجاهل بالقلم يعلّم غيره بدون القلم بجامع التعليم بعد الجهل فالقادر على هذا قادر على ذلك، والتاسعة بيان لهذا الإجمال حيث لم يبين ما الذي علمه بالقلم فقال عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وهذا مشاهد ملموس في أشخاصهم، وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا " فاللَّه الذي علم الإنسان ما لم يعلم وكل ما تعلمه الإنسان فهو من الله تعلمونهن مما علمكم اللَّه وهل الرسالة والنبوة إلا تعليم الرسول ما لم يكن يعلم وبهذا تم إقامة الدليل على صحة النبوة أي الرسالة والرسول والمرسل وهي أسس الدعوة والبعثة الجديدة وقد اشتهر عند الناس أنه نبىء باقرأ وأرسل بالمدثر ولكن في نفس هذه السورة معنى الرسالة لما قدمنا من أن القراءة باسم ربك إشعار بأنه مرسل من ربه إلى من يقرأ عليهم ففيها إثبات الرسالة من أول بدء الوحي تنبيه في قوله تعالى الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ مبحث التعليم ومورد سؤال وهو إذا كان تعالى تمدح بأنه علّم بالقلم وأنه علّم الإنسان ما لم يعلم فكان فيه الإشادة بشأن القلم حيث إن الله تعالى قد علم به وهذا أعلى مراتب الشرف مع أنه سبحانه قادر على التعليم بدون القلم ثم أورده في معرض التكريم في قوله ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وعظم المقسم عليه وهو نعمة الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بالوحي يدل على عظم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير