فقولهم رضى الله عنهم أمروها كما جاءت رد على المعطلة وقولهم بلا كيف رد على الممثلة والزهرى ومكحول هما أعلم التابعين فى زمانهم والأربعة الباقون أئمة الدنيا فى عصر تابعى التابعين ومن طبقتهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهما
وروى ابو القاسم الازجى بإسناده عن مطرف بن عبدالله قال سمعت مالك بن انس اذا ذكر عنده من يدفع أحاديث الصفات يقول قال عمر بن عبدالعزيز سن رسول الله وولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد من خلق الله تعالى تغييرها ولا النظر فى شىء خالفها من اهتدى بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى واصلاه جهنم وساءت مصيرا
وروى الخلال باسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة قال سئل ربيعة بن أبى عبدالرحمن عن قوله الرحمن على العرش استوى كيف استوى قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق
وهذا الكلام مروى عن مالك بن أنس تلميذ ربيعة بن أبى عبدالرحمن من غير وجه
منها ما رواه أبو الشيخ الاصبهانى وأبو بكر البيهقى عن يحيى ابن يحيى قال كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال يا أبا عبدالله الرحمن على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما اراك الا مبتدعا ثم أمر به أن يخرج
فقول ربيعة ومالك الإستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب موافق لقول الباقين امروها كما جاءت بلا كيف فانما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة
ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ولما قالوا أمروها كما جاءت بلا كيف فان الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم
وأيضا فانه لا يحتاج الى نفى علم الكيفية اذا لم يفهم عن اللفظ معنى وانما يحتاج الى نفى علم الكيفية اذا أثبتت الصفات
وأيضا فان من ينفى الصفات الخبرية أو الصفات مطلقا لا يحتاج الى أن يقول بلا كيف فمن قال ان الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف فلو كان مذهب السلف نفى الصفات فى نفس الأمر لما قالوا بلا كيف
وأيضا فقولهم امروها كما جاءت يقتضى ابقاء دلالتها على ما هى عليه فانها جاءت الفاظ دالة على معانى فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال أمروا لفظها مع إعتقاد أن المفهوم منها غير مراد أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ بلا كيف اذ نفى الكيف عما ليس بثابت لغو من القول
وروى الأثرم فى السنة وأبو عبدالله بن بطة فى الابانة وأبو عمرو الطلمنكى وغيرهم باسناد صحيح عن عبدالعزيز بن عبدالله بن أبى سلمة الماجشون وهو أحد أئمة المدينة الثلاثة
الذين هم مالك بن أنس وابن الماجشون وابن أبى ذئب وقد سئل عما جحدت به الجهمية أما بعد فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن خلفها فى صفة الرب العظيم الذى فاقت عظمته الوصف والتدبر وكلت الألسن عن تفسير صفته وانحصرت العقول دون معرفة قدرته وردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهى حسيرة وانما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير وانما يقال كيف لمن لم يكن مرة ثم كان فأما الذى لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فانه لا يعلم كيف هو الا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يموت ولا يبلى وكيف يكون لصفة شىء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شىء أبين منه الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه لا تكاد تراه صغرا يجول ويزول ولا يرى له سمع ولا بصر لما يتقلب به ويحتال من عقله أعضل بك واخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين وخالقهم وسيد السادة وربهم ليس كمثله شىء وهو السميع البصير
اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها اذا لم تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف هل تستدل بذلك على شىء من طاعته أو تزدجر به عن شىء من معصيته
¥