فأما الذى جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا فقد استهوته الشياطين فى الأرض حيران فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لابد ان كان له كذا من أن يكون له كذا فعمى عن البين بالخفى فجحد ما سمى الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها فلم يزل يملى له الشيطان حتى جحد قول الله عز وجل وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فقال لا يراه أحد يوم القيامة فجحد والله أفضل كرامة الله التى أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر الى وجهه ونضرته إياهم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر قد قضى أنهم لا يموتون فهم بالنظر اليه ينضرون الى ان قال وانما جحد رؤية الله يوم القيامة اقامة للحجة الضالة المضلة لأنه قد عرف أنه اذا تجلى لهم يوم القيامة رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين وكان له جاحدا
وقال المسلمون يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله هل تضارون فى رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فهل تضارون فى رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب قالوا لا قال فإنكم ترون ربكم يومئذ كذلك
وقال رسول الله لا تمتلىء النار حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط وينزوى بعضها الى بعض وقال لثابت بن قيس لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة وقال فيما بلغنا ان الله تعالى ليضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة اجابتكم فقال له رجل من العرب ان ربنا ليضحك قال نعم قال لا نعدم من رب يضحك خيرا الى أشباه لهذا مما لا نحصيه
وقال تعالى وهو السميع البصير واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وقال تعالى ولتصنع على عينى وقال تعالى ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى وقال تعالى والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون
فوالله ما دلهم على عظم ما وصفه من نفسه وما تحيط به قبضته إلا صغر نظيرها منهم عندهم ان ذلك الذى ألقى فى روعهم وخلق على معرفة قلوبهم فما وصف الله من نفسه وسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه ولم نتكلف منه صفة ما سواه لا هذا ولا هذا لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف
اعلم رحمك الله أن العصمة فى الدين أن تنتهى فى الدين حيث انتهى بك ولا تجاوز ما قد حد لك فان من قوام الدين معرفة المعروف وانكار المنكر فما بسطت عليه المعرفة وسكنت اليه الافئدة وذكر أصله فى الكتاب والسنة وتوارثت علمه الامة فلا تخافن فى ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيبا ولا تتكلفن بما وصف لك من ذلك قدرا
وما أنكرته نفسك ولم تجد ذكره فى كتاب ربك ولا فى حديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تكلفن علمه بعقلك ولا تصفه بلسانك واصمت عنه كما صمت الرب عنه من نفسه فان تكلفك معرفة ما لم يصف من نفسه مثل انكار ما وصف منها فكما أعظمت ما جحده الجاحدون مما وصف من نفسه فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها
فقد والله عز المسلمون الذين يعرفون المعروف وبهم يعرف وينكرون المنكر وبانكارهم ينكر يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا فى كتابه وما بلغهم مثله عن نبيه فما مرض من ذكر هذا وتسميته قلب مسلم ولا تكلف صفة قدره ولا تسمية غيره من الرب مؤمن وما ذكر عن النبى أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمى وما وصف الرب تعالى من نفسه
والراسخون فى العلم الواقفون حيث انتهى علمهم الواصفون لربهم بما وصف من نفسه التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمى منها جحدا ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقا لأن الحق ترك ما ترك وتسمية ما سمى ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا وهب الله لنا ولكم حكما والحقنا بالصالحين
وهذا كله كلام ابن الماجشون الامام فتدبره وانظر كيف أثبت الصفات ونفى علم الكيفية موافقا لغيره من الأئمة وكيف أنكر على من نفى الصفات بأنه يلزمهم من اثباتها كذا وكذا كما تقوله الجهمية أنه يلزم ان يكون جسما أو عرضا فيكون محدثا
إلى أن قال قال ابو حنيفة عمن قال لا أعرف ربى فى السماء أم فى الأرض فقد كفر لأن الله يقول الرحمن على العرش استوى وعرشه فوق سبع سموات
¥