و أما إثبات هذا الجنس كلفظ النزول أو نفيه مطلقا كلفظ النوم و الموت فقد يسلك كلاهما طائفة تنتسب إلى السنة
و المثبتة يقولون نثبت حركة أو حركة و إنتقالا أو حركة و زوالا تليق به كالنزول و الإتيان اللائق به
و النفاة يقولون بل هذا الجنس يجب نفيه
ثم منهم من ينفي جنس ذلك فى حقه بكل إعتبار و لا يجوز عليه أن يقوم به شيء من الأحوال المتجددة و هذه طريقة الكلابية و من اتبعهم ممن ينتسب إلى السنة و الحديث
و منهم من لا ينفي فى ذلك ما دل عليه النص و لا ينفى هذا الجنس مطلقا بما ذكروه من أنه لا تقوم به الحوادث لما قد علم بالآيات و السنة و العقل أنه يتكلم بمشيئته و قدرته و أنه يحب عبده المؤمن إذا إتبع رسوله إلى غير ذلك من المعانى التى دل عليها الكتاب و السنة بل ينفي ما ناقض صفات كماله و ينفي مماثلة مخلوق له فهذان هما اللذان يجب نفيهما و الله أعلم
والقسم الثالث الذين يقولون هذا لا يعلم معناه إلا الله أو له تأويل يخالف ظاهره لا يعلمه إلا الله فهؤلاء يجعلون الرسول و غيره غير عالمين بما أنزل الله فلا يسوغون التأويل لأن العلم بالمراد عندهم ممتنع و لا يستجيزون القول بطريقة التخييل لما فيها من التصريح بكذب الرسول بل يقولون خوطبوا بما لا يفهمونه ليثابوا على تلاوته و الإيمان بألفاظه و إن لم يفهموا معناه يجعلون ذلك تعبدا محضا على رأي المجبرة الذين يجوزون التعبد بما لا نفع فيه للعامل بل يؤجر عليه
والكلام على هؤلاء و فساد قولهم مذكور فى مواضع و المقصود هنا أن الذي دعاهم إلى ذلك ظنهم أن المعقول يناقض ما أخبر به الرسول صلى الله عليه و سلم أو ظاهر ما أخبر به الرسول و قد بسط الكلام على رد هذا فى مواضع و بين أن العقل لا يناقض السمع و أن ما ناقضه فهو فاسد و بين بعد هذا أن العقل موافق لما جاء به الرسول شاهد له و مصدق له
لا يقال إنه غير معارض فقط بل هو موافق مصدق فأولئك كانوا يقولون هو مكذب مناقض بين
ثانيا طريقة التجهيل
وهؤلاء أهل التضليل والتجهيل الذين حقيقة قولهم: إن الأنبياء جاهلون ضالون لا يعرفون ما أراد الله نما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء
ثم هؤلاء منهم من يقول: المراد بها خلاف مدلولها الظاهر والمفهوم ولا يعرف أحد من الأنبياء والملائكة والصحابة والعلماء ما أراد الله بها كما لا يعلمون وقت الساعة
ومنهم من يقول: بل تجري علي ظاهرها وتحمل علي ظاهرها ومع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله فيتناقضون حيث أثبتوا لها تأويلا يخالف ظاهرها وقالوا ـ مع هذا ـ إنها تحمل علي ظاهرها وهذا ما أنكره ابن عقيل على شيخة القاضي أبي يعلى في كتاب ذم التأويل
وهؤلاء الفرق مشتركون في القول بأن الرسول لم يبين المراد بالنصوص التي يجعلونها مشكلة أو متشابهة ولهذا يجعل كل فريق المشكل من نصوصه غير ما يجعل الفريق الآخر مشكلا فمنكر الصفات الخبرية الذي يقول: إنها لا تعلم بالعقل يقول: نصوصها مشكلة متشابهة بخلاف الصفات المعلومة بالعقل عنده بعقله فإنها ـ عنده ـ محكمة بينة وكذلك يقول من ينكر العلو والرؤية: نصوص هذه مشكلة
ومنكر الصفات مطلقا يجعل ما يثبتها مشكلا دون ما يثبت أسماءه الحسنى ومنكر معاني الأسماء يجعل نصوصها
مشكلة ومنكر معاد الأبدان وما وصفت به الجنة والنار يجعل ذلك مشكلا أيضا ومنكر القدر يجعل ما يثبت أن الله خالق كل شيء نوما يجعل نصوص الوعيد بل ونصوص الأمر والنهي مشكلة فقد يستشكل كل فريق ما لا يستشكله غيره ثم يقول فيما يستشكله إن معاني نصوصه لم يبينها الرسول
ثم منهم من يقول: لم يعلم معانيها أيضا ومنهم من يقول: بل علمها ولم يبنيها بل أحال في بيانها علي الأدلة
العقلية وعلي من يجتهد في العلم بتأويل تلك النصوص فهم مشتركون في أن الرسول لم يعلم أو لم يعلم بل
جهل معناها أو جهلها الأمة من غير أن يقصد أن يعتقدوا الجهل الركب
وأما أولئك فيقولون: بل قصد أن يعلمهم الجهل المركب والاعتقادات الفاسد وهؤلاء مشهورون عند الأمة بالإلحاد والزندقة بخلاف أولئك فإنهم يقولون: الرسول لم يقصد أن يجعل أحدا جاهلا معتقدا للباطل ولكن أقوالهم تتضمن أن الرسول لم يبين الحق فيما خاطب به الأمة من الآيات والأحاديث إما مع كونه لم يعلمه أو مع كونه علمه ولم يبينه
¥