ويروون ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يعرفون معنى ذلك ولا ما أريد به ولازم قولهم إن الرسول كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه ثم تناقضوا أقبح تناقض فقالوا تجري على ظواهرها وتأويلها مما يخالف الظواهر باطل ومع ذلك فلها تأويل لا يعمله إلا الله فكيف يثبتون لها تأويلا ويقولون تجر على ظواهرها ويقولون الظاهر منها غير مراد والرب منفرد بعلم تأويلها وهل في التناقض أقبح من هذا
وهؤلاء غلطوا في المتشابه وفي جعل هذه النصوص من المتشابه وفي كون المتشابه لا يعلم معناه إلا الله فأخطأوا في المقدمات الثلاث واضطرهم إلى هذا التخلص من تأويلات المبطلين وتحريفات المعطلين وسدوا على نفوسهم الباب وقالوا لا نرضى بالخطأ ولا وصول لنا إلى الصواب فهؤلاء تركوا التدبر المأمور به والتذكر والعقل لمعاني النصوص الذي هو أساس الإيمان وعمود اليقين وأعرضوا عنه بقلوبهم وتعبدوا بالألفاظ المجردة التي أنزلت في ذلك وظنوا أنها أنزلت للتلاوة والتعبد بها دون تعقل معانيها وتدبرها والتفكر فيها
فأولئك جعلوها عرضة للتأويل والتحريف كما جعلها أصحاب التخييل أمثالا لا حقيقة لها وقابلهم:
الصنف الرابع وهم أصحاب التشبيه والتمثيل ففهموا منها مثل ما للمخلوقين وظنوا أن لا حقيقة لها سوى ذلك وقالوا محال أن يخاطبنا الله سبحانه بما لا نعقله ثم يقول: لعلكم تعقلون البقرة73 لعلكم تتفكرون البقرة219 ليدبروا آياته ص29
ونظائر ذلك وهؤلاء هم المشبهة
فهذه الفرق لا تزال تبدع بعضهم بعضا وتضلله وتجهله وقد تصادمت كما ترى فهم كزمرة من العميان تلاقوا فتصادموا كما قال أعمى البصر والبصيرة منهم:
ونظيري في العلم مثلي أعمى ... فترانا في حندس نتصادم
الصواعق المرسلة [جزء 3 - صفحة 1050]
وأما التجهيل فكثير منهم يصرحون بأن هذه النصوص لا معنى لها وإنما هي ألفاظ مجردة ومن أحسن منهم وأجمل يقول لها معان استأثر الله بعلمها ولم يجعل لنا سبيلا إلى العلم بها وأكثر هذه الطوائف لا يعرف الحديث ولا يسمعه وكثير منهم لا يصدق به إذا سمعه ثم إذا صدقوا به فإن تحريفهم له وإعراضهم عن معانيه أعظم من تحريف القرآن والإعراض عنه ولهذا يقر بعض هؤلاء بما في القرآن من الصفات دون ما في الحديث وحده
مجموع الفتاوى [جزء 3 - صفحة 26]
ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض الذين يوجبون فيما نفوه اما التفويض واما التأويل المخالف لمقتضى اللفظ قانون مستقيم فإذا قيل لهم لم تأولتم هذا وأقررتم هذا والسؤال فيهما واحد لم يكن لهم جواب صحيح فهذا تناقضهم فى النفى
وكذا تناقضهم فى الإثبات فان من تأول النصوص على معنى من المعانى التى يثبتها
فانهم اذا صرفوا النص عن المعنى الذى هو مقتضاه الى معنى آخر لزمهم فى المعنى المصروف اليه ما كان يلزمهم فى المعنى المصروف عنه فاذا قال قائل تأويل محبته ورضاه وغضبه وسخطه هو ارادته للثواب والعقاب كان ما يلزمه فى الارادة نظير ما يلزمه فى الحب والمقت والرضا والسخط ولو فسر ذلك بمفعولاته وهو ما يخلقه من الثواب والعقاب فانه يلزمه فى ذلك نظير ما فر منه فان الفعل لابد أن يقوم اولا بالفاعل والثواب والعقاب المفعول انما يكون على فعل ما يحبه ويرضاه ويسخطه ويبغضه المثيب المعاقب فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول فى الشاهد للعبد مثلوا وإن أثبتوه على خلاف ذلك فكذلك الصفات
الفتاوى الكبرى [جزء 6 - صفحة 642]
وأما الأحاديث النبوية فلا حرمة لها عندهم بل تارة يردونها بكل طريق ممكن وتارة يتأولونها ثم يزعمون أن ما وضعوه برأيهم قواطع عقلية وأن هذه القواطع العقلية ترد لأجلها نصوص الكتاب والسنة إما بالتأويل وإما بالتفويض وإما بالتكذيب (أي المعتزلة ومن وافقهم)
درء التعارض [جزء 1 - صفحة 115]
وأما التفويض: فإن من المعلوم أن الله تعالي أمرنا أن نتدبر القرآن وحضنا علي عقله وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟
وأيضا فالخطاب الذي أريد به هدانا والبيان لنا وإخراجنا من الظلمات إلي النور إذا كان ما ذكر فيه من النصوص ظاهره باطل وكفر ولم يرد منا أن نعرف لا ظاهره ولا باطنه أو أريد منا أن نعرف باطنه من غير بيان في الخطاب لذلك فعلي التقديرين لم نخاطب بما بين فيه الحق ولا عرفنا أن مدلول هذا الخطاب باطل وكفر
¥