تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فكما أن لفظ ذات ووجود وحقيقة يطلق على الله وعلى عباده وهو على ظاهره في الاطلاقين مع القطع بأنه ليس ظاهره في حق الله تعالى مساويا لظاهره في حقنا ولا مشاركا له فيما يوجب نقصا وحدوثا سواء جعلت هذه الألفاظ متواطئة أو مشتركة أو مشككة كذلك قوله: أنزله بعلمه وأن الله هو الرزاق ذو القوة لما خلقت بيدي الرحمن على العرش استوى الباب في الجميع واحد وكان قدماء الجهمية ينكرون جميع الصفات التي هي فينا أعراض كالعلم والقدرة وأجسام كالوجه واليد وحدثاؤهم أقروا بكثير من الصفات كالعلم والقدرة وأنكروا بعضها والصفات التي هي فينا أجسام هي فينا أعراض ومنهم من أقر ببعض الصفات التي هي فينا أجسام كاليد وأما السلفية فعلى ما حكاه الخطابي وأبو بكر الخطيب وغيرهما قالوا: مذهب السلف إجراء آيات الصفات وأحاديث الصفات على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها فلا تقول إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى السمع العلم وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات يحتذى فيه حذوة ويتبع فيه مثاله فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية فقد أخبرك الخطابي والخطيب وهما إمامان من أصحاب الشافعي - رضي الله عنه - متفق على علمهما بالنقل وعلم الخطابي بالمعاني أن مذهب السلف إجراؤها على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها والله تعالى يعلم أني قد بالغت في البحث عن مذاهب السلف فما علمت أحدا منهم خالف ذلك ومن قال من المتأخرين أن مذهب السلف أن الظاهر غير مراد فيجب لمن أحسن به الظن أن يعرف أن معنى قوله الظاهر الذي يليق بالمخلوق لا بالخالق ولا شك أن هذا غير مراد ومن قال إنه مراد فهو بعد قيام الحجة عليه كافر

فهنا بحثان لفظي ومعنوي أما المعنوي فالأقسام ثلاثة في قوله الرحمن على العرش استوى ونحوه أن يقال استواء كاستواء مخلوق أو يفسر باستواء يستلزم حدوثا أو نقصا فهذا هو الذي يحكي عن الضلال المشبهة والمجسمة وهو باطل قطعا بالقرآن وبالعقل وإما أن يقال ماثم استواء حقيقي أصلا ولا على العرش إله ولا فوق السموات رب فهذا هو مذهب الجهمية الضالة المعطلة وهو باطل قطعا بما علم بالإضطرار من دين الإسلام لمن أمعن النظر في العلوم النبوية وبما فطر الله عليه خليفته من الأقرار بأنه فوق خلقه كإقرارهم بأنه ربهم

قال ابن قتيبة: ما زالت الأمم عربها وعجمها في جاهليتها وإسلامها معترفة بأن الله في السماء أي على السماء أو يقال بل استوى سبحانه على العرش على الوجه الذي يليق بجلاله ويناسب كبريائه وأنه فوق سماواته وأنه على عرشه بائن من خقله مع أنه سبحانه هو حامل للعرش ولحملة العرش وأن الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة كما قالت أم سلمة وربيعة بن أبي عبدالرحمن ومالك عن أنس فهذا مذهب المسلمين وهو الظاهر من لفظ استوى عند عامة المسلمين الباقين على الفطرة السالمة التي لم تنحرف إلى تعطيل ولا إلى تمثيل وهذا هو الذي أراده يزيد بن هارون الواسطي المتفق على إمامته وجلالته وفضله وهو من إتباع التابعين حيث قال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى خلاف ما يقر في نفوس العامة فهو جهمي فإن الذي أقره الله تعالى في فطر عباده وجبلهم عليه أن ربهم فوق سمواته كما أنشد عبدالله بن رواحة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأقره النبي صلى الله عليه وسلم:

(شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا)

(وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا)

وقد قال عبدالله بن المبارك الذي أجمعت فرق الأمة على إمامته وجلالته حتى قيل إنه أمير المؤمنين في كل شيء وقيل ما أخرجت خراسان مثل ابن المبارك وقد أخذ عن عامة علماء وقته مثل الثوري ومالك وأبي حنيفة والأوزاعي وطبقتهم حين قيل له بماذا تعرف ربنا قال: بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وقال محمد بن إسحق بن خزيمة الملقب إمام الأئمة وهو ممن يفرح أصحاب الشافعي بما ينصره من مذهبه ويكاد يقال ليس فيهم أعلم بذلك منه من لم يقل إن الله فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على مزبلة لئلا يتأذى ريحه أهل الملة ولا أهل الذمة وكان ماله فيئا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير