وقال على رضى الله عنه لما قيل له هل ترك عندكم رسول الله شيئا فقال لا والذى فلق الحبة وبرأ النسمة الا فهما يؤتيه الله عبدا فى كتابه وما فى هذه الصحيفة فأخبر أن الفهم فيه مختلف فى الأمة والفهم أخص من العلم والحكم قال الله تعالى ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وقال النبى رب مبلغ أوعى من سامع وقال بلغوا عنى ولو آية
وأيضا فالسلف من الصحابة والتابعين وسائر الأمة قد تكلموا فى جميع نصوص القرآن آيات الصفات وغيرها وفسروها بما يوافق دلالتها وبيانها ورووا عن النبى احاديث كثيرة توافق القرآن وأئمة الصحابة فى هذا أعظم من غيرهم مثل عبدالله بن مسعود الذى كان يقول لو أعلم أعلم بكتاب الله منى تبلغه آباط الابل لأتيته وعبدالله بن عباس الذى دعا له النبى صلى الله عليه وسلم وهو حبر الأمة وترجمان القرآن كانا هما وأصحابهما من أعظم الصحابة والتابعين اثباتا للصفات ورواية لها عن النبى ومن له خبرة بالحديث والتفسير يعرف هذا وما فى التابعين أجل من أصحاب هذين السيدين بل وثالثهما فى علية التابعين من جنسهم أو قريب منهم ومثلهما فى جلالته جلالة اصحاب زيد بن ثابت لكن أصحابه مع جلالتهم ليسوا مختصين به بل أخذوا عن غيره مثل عمر وابن عمر وابن عباس ولو كان معانى هذه الآيات منفيا أو مسكوتا عنه لم يكن ربانيوا الصحابة أهل العلم بالكتاب والسنة أكثر كلاما فيه
ثم إن الصحابة نقلوا عن النبى أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة ولم يذكر أحد منهم عنه قط أنه امتنع
من تفسير آية قال أبو عبدالرحمن السلمى حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا اذا تعلموا من النبى عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل
وكذلك الأئمة كانوا اذا سئلوا عن شىء من ذلك لم ينفوا معناه بل يثبتون المعنى وينفون الكيفية كقول مالك بن أنس لما سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى كيف استوى فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة وكذلك ربيعة قبله وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول فليس فى أهل السنة من ينكره
وقد بين أن الاستواء معلوم كما أن سائر ما أخبر به معلوم ولكن الكيفية لا تعلم ولا يجوز السؤال عنها لا يقال كيف استوى ولم يقل مالك الكيف معدوم وإنما قال الكيف مجهول وهذا فيه نزاع بين أصحابنا وغيرهم من اهل السنة غير أن اكثرهم يقولون لا تخطر كيفيته ببال ولا تجرى ماهيته فى مقال ومنهم من يقول ليس له كيفية ولا ماهية
فإن قيل معنى قوله الاستواء معلوم ان ورود هذا اللفظ فى القرآن معلوم كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذى استأثر الله بعلمه
قيل هذا ضعيف فان هذا من باب تحصيل الحاصل فإن السائل قد علم أن هذا موجود فى القرآن وقد تلا الآية وأيضا فلم يقل ذكر الاستواء فى القرآن ولا اخبار الله بالاستواء وانما قال الاستواء معلوم فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم لم يخبر عن الجملة وأيضا فانه قال والكيف مجهول ولو أراد ذلك لقال معنى الاستواء مجهول أو تفسير الاستواء مجهول أو بيان الاستواء غير معلوم فلم ينف الا العلم بكيفية الاستواء لا العلم بنفس الاستواء وهذا شأن جميع ما وصف الله به نفسه لو قال فى قوله اننى معكما أسمع وأرى كيف يسمع وكيف يرى لقلنا السمع والرؤيا معلوم والكيف مجهول ولو قال كيف كلم موسى تكليما لقلنا التكليم معلوم والكيف غير معلوم
وأيضا فإن من قال هذا من اصحابنا وغيرهم من اهل السنة يقرون بأن الله فوق العرش حقيقة وأن ذاته فوق ذات العرش لا ينكرون معنى الاستواء ولا يرون هذا من المتشابه الذى لا يعلم معناه بالكلية
ثم السلف متفقون على تفسيره بما هو مذهب أهل السنة قال بعضهم ارتفع على العرش علا على العرش وقال بعضهم عبارات أخرى وهذه ثابتة عن السلف قد ذكر البخارى فى صحيحه بعضها فى آخر كتاب الرد على الجهمية وأما التأويلات المحرفة مثل استوى وغير ذلك فهى من التأويلات المبتدعة لما ظهرت الجهمية
¥