وكذلك يعبرون بلفظ (الملائكة والشياطين) عن: قوى النفس المحمودة والمذمومة وبالضرورة من الدين أن الرسل أرادوا بالملائكة والشياطين أعيانا قائمة بأنفسها متميزين لا مجرد أعراض قائمة بنفس الإنسان كالقوة الجاذبة والماسكة والدافعة والهاضمة وقوة الشهوة والغضب وإن كان قد يسمى بعض الإعراض باسم صاحبه
نقد مقولة: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم
أقاويل الثقات [جزء 1 - صفحة 226]
(قال شيخ الإسلام ابن تيمية ما ملخصه): ......... ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة القرن الذي بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا غير عالمين ولا قائلين في هذا الباب بالحق المبين فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم ولا أن يعتقد أن الخلف أعلم من السلف أو أن طريقة اللاسلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم ظنا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ذلك وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات فهذا الظن فاسد أوجب تلك المقالة وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها النصوص فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر وكان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى وهي التي يسمونها طريقة السلف وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع تكلف وهي التي يسمونها طريقة الخلف وصار هذا الباطل مركبا من فساد العقل والتكذيب بالسمع فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين وأنهم لم يتبحروا في حقائق العلم بالله ولم
أقاويل الثقات [جزء 1 - صفحة 227]
يتفطنوا لدقيق العلم الإلهي وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله
وهذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة بمقدار السلف فكيف يكون الخلف أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا الذين وهبهم الله من العلم والحكمة وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة
التحفة المدنية المؤلف: حمد بن ناصر بن عثمان آل معمر [جزء 1 - صفحة 126]
وأعجب من هذا أنهم يذكرون في مصنفاتهم أن عقيدة السلف أسلم وعقيدة الخلف أعلم وأحكم فسبحان مقلب القلوب كيف يشاء كيف يجتمع في قلب من له عقل ومعرفة أن الصحابة أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأنهم الذين شاهدوا التنزيل وعلموا التأويل وأنهم أهل اللغة الفصحاء والسان العربي الذين نزل القرآن بلغتهم وأنهم الراسخون في العلم حقا وأنهم متفقون على عقيدة واحدة لم يختلف في ذلك اثنان ثم التابعون بعدهم سلكوا سبيلهم واتبعوا طريقهم ثم الأئمة الأربعة وغيرهم مثل الأوزاعي والسفيانين وابن المبارك وإسحاق وغيرهم من أئمة الدين الذين رفع الله قدرهم بين العالمين وجعل لهم لسان صدق في الآخرين كل هؤلاء على عقيدة واحدة مجمعون ولكتاب ربهم وسنة نبيهم متبعون ثم بعد معرفته لهذا وإقراره يقوم في قلبه أن عقيدة الخلف أعلم وأحكم من طريقة السلف فسبحان من يحول بين المرء وقلبه فيهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله
لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون
وكيف يكون الخالفون أعلم من السابقين بل من زعم هذا فهو لم يعرف قدر السلف بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين حقيقة المعرفة المطلوبة فإن هؤلاء الذين يفضلون طريقة الخلف إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم
التحفة المدنية [جزء 1 - صفحة 127]
لا يعلمون الكتاب إلا أماني
¥