تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأظهر هو القول الثاني وهو قول الجمهور؛ لأنّ الشهادة بالاستفاضة هذه الدليل يتقاصر على أن يُشهد له مطلقا، لكن يكون الرجاء فيه أعظم، ولهذا في الحديث الأول قال «وجبت»، فدل على أن شهادتهم له في مقام الشفاعة له بأنه قال «أثنيتم عليها خيرا فوجبت» ودل على أن الوجوب له بالجنة مترتب على الثناء عليه بالخير، وليس الثناء عليه بالخير نتيجة وإنما هو سبب لوجوب الجنة، فكأنه في مقام الشفاعة له والدعاء له، وليس هذا مطلقا. والحديث الثاني أيضا يحمل على هذا بأنه في مقام الشفاعة والدعاء له، بالإضافة إلى أنّ القول الأول هو قول الأكثر من أئمة أهل الإسلام.

المبحث الثالث: أننا إذا لم نشهد لأحد أو على أحد فإن المقصود المعين، أما الجنس والنوع فنشهد للجنس والنوع، فنشهد على الظالم بالنار دون تنزيله على معين، ونشهد للمطيع بالجنة دون تنزيله على معين، والمقصود إذا مات على ذلك، إذا مات المطيع على الطاعة، وإذا مات الظالم على الظلم؛ لأن المسألة مبنية على ما يُختم للعبد، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح أنه قال «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»، وهذا يدل على أن الأعمال بالسوابق -سوابق الكتاب- وبالخواتيم، وهذا يمنع من الشهادة المعينة لأن الأعمال بالسوابق والخواتيم، والله جل وعلا خلق الجنة وخلق لها أهلا وهذا غيبي، وخلق النار وخلق لها أهلا وهذا أمر غيبي.

فإذن الشهادة على الجنس أو للجنس بالجنة أو على نوع بالنار هذا المقصود من مات على ذلك، من مات على الطاعة فإننا نشهد لجنس الميتين على الطاعة، ولجنس من مات على الكبيرة بأنه متوعد بالعذاب قد يغفر الله جل وعلا له وقد يؤاخذه بذنوبه.

المبحث الرابع والأخير: أننا مع ذلك كله فإننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، أهل السنة أهل رحمة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان رحيما بهذه الأمة، فيرث أهل السنة الرحمة من صفاته عليه الصلاة والسلام، فيرحمون هذه الأمة، ومن رحمتهم لها أنهم يرجون لأهل الإحسان ويخافون على أهل الإساءة، ورجاؤهم لأهل الإحسان يحمله على أن يدعو لهم وأن يصلوا عليهم إذا ماتوا؛ لأن حق المسلم على مسلم ست ومنها أنه إذا مات يصلي عليه ويدعو له، وتَحملهم الرحمة للمسيء أنه إذا مات على الإساءة أنه يُخاف عليه الإساءة، فيسأل الرب جل وعلا أن يغفر له ذنبه وأن يتجاوز عن خطيئته وأن يبارك له في قليل عمله، ونحو ذلك من آثار الرحمة، ولهذا يدعو المسلم لجميع المسلمين لمن كان منهم صالحا ومن كان منهم غير صالح؛ بل من الدعاء الذي تداوله أهل السنة والعلماء أن يُسأل الرب جل وعلا أن يشفع المحسن في المسيء، وأن يوعد المسيء للمحسن، مثل ما في دعاء القنوت الذي يتداوله الأكثرون: وهب المسيئين مما للمحسنين. (هب المسيئين) يعني من كان مسيئا عاصيا عنده ذنوب هبه للمحسن فشفع المحسن فيه في هذا المقام بالدعاء.

وهذا كله من آثار الرحمة التي كان عليها (، فإنه كان بهذه الأمة كان رحيما؛ بل كان رحمة للعالمين عليه الصلاة والسلام.

فإذن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، ولرجائنا للمحسن آثار، ولخوفنا على المسيء آثار، فرجاؤنا للمحسن يحملنا على توليه وكثرة الدعاء له ونصرته واقتفاء أثره، وخوفنا على المسيء يحملنا على الدعاء له والاستغفار ونحو ذلك، فكان أسيرا للشيطان، ونسأل الله جل وعلا له المغفرة الرضوان.

نسأل الله سبحانه لنا جميعا أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يجزل لنا الأجر على قليل عملنا، وأن يغفر لنا كثرة الذنب والخطايا فإنه سبحانه جواد كريم، اللهم فأجب واغفر جما إنك على كل شيء قدير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير