تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجملة الثانية قال رحمه الله (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.) هذه الجملة مثل الأولى في تقرير هذه العقيدة المباركة وهي أنّ الأمر ما دام تبع للخاتمة والخاتمة مغيّبة وهذا أمر غيبي فلا نَقْفُ ما ليس لنا به علم، ولا نتجرأ على الله جل وعلا في وصف شيء والحكم يتعلق به والحكم على عباده بدون دليل، لهذا نعتبر الظاهر من كل أحد، فمن كان ظاهره السلامة في الدنيا ومات على ذلك، فإننا نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر، ومن كان ظاهره الكفر أو ظاهره الشرك أو ظاهره النفاق فإننا نحكم بالظاهر؛ ولأنه ظهر منه ذلك وأمره إلى الله جل وعلا.

وفيه بعض المسائل (158):

الأولى: قوله (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ) يعني على المعيَّن من أهل القبلة، وهذا يدل على أن المعين من أهل القبلة قد يجتمع فيه إيمان وكفر، ويجتمع فيه إسلام وشرك، ويجتمع فيه طاعة وإسلام وإيمان ونفاق، وهذا هو المتقرر عند الأئمة تبعا لما دل عليه الدليل، فإن المعين قد يجتمع فيه الإيمان فيكون مؤمنا ويكون عنده بعض خصال الكفر؛ يعني من الكبائر مما لا يُخرجه من الإيمان، فمثلا قتال المسلم كفر وسبابه فسوق كما ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، فسباب المسلم فسوق وقتاله كفر فيجتمع في المسلم فسوق وطاعة وكفر وإيمان، كذلك قال عليه الصلاة والسلام «ثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت» ونحو ذلك من خصال الكافرين، فلا يعني وجود بعض خصال الكفر في المعين أن يحكم عليه بالكفر، الحكم بغير ما أنزل الله في حق القاضي أو في حق المعين إذا حكم بغير ما أنزل الله وهو لا يعتقد جواز ذلك أو يعلم أن بحكمه عاص يعني حكم وهو يعلم أنه بحكمه عاص ومخطئ فإنه اجتمع فيه كفر وطاعة.

فلا يُخرج أحد من الإيمان بخصلة من خصال الكفر وُجدت فيه، أو خصلة من خصال الشرك وجدت فيه، أو خصلة من خصال النفاق وجدت فيه، فإن المؤمن يجتمع فيه هذا وهذا، ولهذا قال (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ) إذا كان مستسرا بذلك (مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ)، فإن ظهر تشهد عليه بقدر ما ظهر، فالشهادة عليه جوازا لا وجوبا كما سيأتي في المسألة التي بعدها.

كذلك الشرك يكون مؤمنا ويكون عنده شركا أصغرا، يكون عنده حلف بغير الله مما هو من الشرك الأصغر، أو تعليق التمائم واعتقاد أنها أسباب، أو نسبة النعم إلى غير الله جل وعلا أو نحو ذلك من أمور الشرك الأصغر أو الشرك الخفي من يسير الرياء ونحوه، فيجتمع في المؤمن هذا وهذا.

وكذلك بعض خصال النفاق يكون المؤمن مطيعا مسلما؛ لكن عنده خصال النفاق إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، ونحو ذلك من خصال النفاق.

المبحث الثاني: أن قوله (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ... مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ) يعني إذا ظهر منهم فإنما قد نشهد عليهم يعني يجوز لنا الشهادة إذا ظهر منهم شيء من ذلك، وجواز الشهادة عليهم منوط بالمصلحة؛ لأنها من باب التعزير فقد يجوز أن يُشهد على معين ببعض خصاله؛ خصال الكبائر التي فيه أو الشرك الأصغر الذي فيه أو بعض خصال النفاق الذي فيه إذا كانت الشهادة عليه بذلك علنا فيها مصلحة متعدية، أما إذا لم يكن فيها مصلحة، فإن الأصل على المسلم أنه لا يشهد عليه بل يستر عليه.

وهذا يدل على أن الأصل في المؤمن ما دام اسم الإيمان باقيا عليه الأصل فيه أن يكون على اسم الإسلام وعلى اسم الإيمان وعلى اسم الطاعة، فلا يُنتقل عن الأصل في الثناء عليه وفي الشهادة له بالإسلام والإيمان والتسديد إلاّ إذا كان فيه مصلحة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير