أخي الكريم .. لابد أن تعلم علم اليقين أن المدارس الكلامية ومنها أتباع ابي الحسن الأشعري لا تعتمد أصلا على الكتاب والسنة، وهذا لا ينازع فيه إلا جاهل لا يدري ما يقول أو مكابر معاند، ولكون هذا في ظني كاف لكل مؤمن بالله واليوم الآخر في العلم بفساد من كان هذا مذهبه، فإني سأكتفي في هذه المشاركة ببيانه والتمثيل عليه، وبدون النقل من كتبهم لضيق المقام.
ولما كان بيان ذلك يحتاج الى بيان المباحث الكلية لهذا المذهب وترتيبها من حيث بناء الفرع على الأصل، سأذكرها بطريقة متسلسلة على وجه من الاختصار لأن ذلك هام جدا جدا في ادراك حقيقة اقوال المذهب.
فحقيقة الأمر أخي الكريم أن هؤلاء القوم أرادوا اثبات الأصول الكلية لدين الاسلام على وجه مبتدع بسبل مبتدعة فاسدة، فجعلوا الأصول على الترتيب الآتي:
1 - مباحث الالهيات
2 - مباحث النبوات
3 - مباحث السمعيات
فيبحثون في الأول ما يتعلق باثبات وجود الله – لكونه نظريا عند أكثرهم - ووحدانيته، ثم ما يجب له من الصفات وما يجوز عليه وما يمتنع.
وأما الثاني فيبحثون فيه ما يتعلق بمسائل النبوة من بيان حقيقتها وشروطها والفرق بينها وبين السحر والكرامات، وما يجوز على النبي وما يمتنع ونحو ذلك.
وأما الثالث فيبحثون فيه المسائل التي لا تعلم الا بالسمع من القول في المعاد وفي الايمان وفاعل الكبيرة والامامة ونحو ذلك.
إذا تبين هذا – ارجو الانتباه جيدا – فإنهم قالوا إنه لابد أن تبحث هذه المباحث على هذا الترتيب، بيان ذلك عندهم أنا لا يمكن أن نثبت نبوة نبي من الأنبياء وأنه مرسل من عند الله عز وجل إلا اذا اثبتنا قبل ذلك وجود المرسل – بكسر السين – وهو الله عز وجل، ثم إنا لا يمكن ان نثبت صحة السمعيات من القرآن والسنة وامكان الاستدلال بها إلا اذا اثبتنا ان من جاء بها نبي معصوم من عند الله عز وجل.
تلخص من ذلك ان الاستدلال بالكتاب والسنة متوقف على معرفة وجود الله ونبوة انبيائه، فلابد من الاستدلال على وجود الله بالعقل دون السمع وإلا لزم الدور الممتنع.
إذا تبين ذلك - ركز معي – فإنه قد سلك القوم في اثبات وجود الله مسالك بدعية ما أنزل الله بها من سلطان، وزعموا أنه لا يمكن ذلك إلا بهذه الطرق المعينة، ومن ثم فإن الطعن فيها طعن في المبحث الكلي الأول ومن ثم الثاني فالثالث.
وهذا يبين لك معنى قولهم (العقل أصل السمع) أي لا يمكن معرفة صحة السمع إلا بالعقل، فإذا طعن السمع في العقل كان ذلك طعنا منه في طريق العلم بصحته فلا يكون مقبولا.
وحينئذ يتبين لك ان حقيقة مذهب القوم أنهم لا يؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة إلا إذا لم يخالف شيئا من أصولهم العقلية، وهذا هو السبب الحقيقي في ردهم ما جاءت به النصوص من اثبات صفات الله عز وجل واثبات أفعاله سبحانه وتعالى وغير ذلك مما ينكره هؤلاء القوم كما سيأتي في الأمثلة، وليس لوجود شيء في النصوص يناقض ذلك.
فائدة: يلزمهم على ذلك أيضا أنه لا يمكن الاستدلال بالنصوص أصلا لأنه اذا قلنا بأنه لابد من العلم بانتفاء المعارض العقلي وعدم العلم ليس علما بالعدم، بقي احتمال وجود المعارض قائما فلا يصح الاستدلال بالنصوص، وهذا لازم لهم لا محالة، وقد ذكر هذا الاشكال السعد في شرحه للمقاصد ولم يجب عليه بجواب مستقيم.
الأمثلة:
سأذكر مثالين على ذلك:
1 - الصفات الفعلية: معلوم أن الاشعرية ينكرون ان يتصف الله عز وجل بما يقوم به بمشيئته وقدرته، ويسمون هذه المسألة مسألة حلول الحوادث، والسبب في ذلك ليس نصا من الكتاب والسنة، وإنما السبب الحقيقي ان من طرقهم في اثبات وجود الله اثبات حدوث الاجسام لاتصافها بالحوادث – وهو ما يمكن التعبير عنه لتقريب الفهم – بالصفات الفعلية، فإن اتصافها بالصفات الفعلية يوجب حدوثها فتكون حينها محتاجة الى محدث، وبيان وجه ذلك له موضع آخر إن شاء الله تعالى، لكن المقصود هنا أنه لا يمكن حينئذ أن يكون المحدث – بكسر الدال - متصفا بالصفات الفعلية لأنه يوجب تسلسل الفاعلين.
2 - كون الله مباينا للعالم: فإنه لما كان من طرقهم في اثبات وجود الله طريق امكان الجواهر، لكونها جائزة الصفات بناء على كونها متجانسة، لزم أن يكون لها مخصص – بكسر الصاد – منفصل، فحينها لا يجوز ان يكون المخصص – بكسر الصاد - مختصا، فلا يكون الله تعالى مختصا بالعلو ومباينة العالم.
هذا ما يتسع له المقام اخي الكريم، وأما تفصيل ذلك وبيان فساد شبههم العقلية من الأعراض والتركيب والاختصاص ونحوها وبيان تناقضهم فيها فعسى أن يكون له موضع آخر بإذن الله تعالى.
وأخيرا اعذرني على تقصيري بسبب السرعة في الكتابة لضيق الوقت
والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[01 - 10 - 06, 03:09 ص]ـ
تتمة:
أو استدلالاتهم القوية على إنكار علو الله تعالى!
أو أنه تعالى يرى لا في جهة!
في أشياء تخالف المنقول والمعقول وتنافرها منافرة تامة.
¥