الشمس , حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر , فجلست حوله تمس ركبتي ركبته , فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف , فأنكر عليّ و قال ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله؟ فجلس عمر على المنبر , فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله , ثم قال: أما بعد , فإني قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها , لا أدري لعلها بين يدي أجلي , فمن غقلها ووعاها فليحدذث بها حيث انتهت به راحلته , ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب علي , إن الله بعث محمدا صلى الله عليه و آله وسلم بالحق و أنزل عليه الكتاب , فكان مما أنزل آية الرجم , فقرأنا و عقلناها ووعيناها , رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم و رجمنا بعده , فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله , فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله , و الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال و النساء , إذا قامت البينة , أو كان الحبل أو الاعتراف , ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ في كتاب الله (أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) أو (إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم) ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال: " لا تطرونى كما أطرى النصارى عيسى بن مريم , وقولوا عبد الله و رسوله ". ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترنّ امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة , وتمت ألا و إنها قد كانت كذلك , و لكنّ الله وقى شرّها , و ليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر , من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو , ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا , و إنه قد كان من خبرنا حين توفي نبينا صلى الله عليه و آله وسلم أن الأنصار خالفونا و اجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة , وخالف عنا علي و الزبير و من معهما و اجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى أخواننا هؤلاء من الأنصار , فانطلقنا نريدهم فلمّا دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم , فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد أخواننا هؤلاء من الأنصار , فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم. فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة , فإذا رجل مزمّل بين ظهرانيهم فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن عبادة , فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك , فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله , ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله , وكتيبة الإسلام , و أنتم معشر المهاجرين رهط و قد دفّت دافة من قومكم , فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا , و أن يحضنونا من الأمر , فلما سكت أردت أن أتكلم و كنت قد زوّرت (أي هيأت و حسنت) مقالة أعجبتني , أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر , وكنت أداري منه بعض الحد ّ, فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك , فكرهت أن أغضبه , فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني و أوقر , و الله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها , أو أفضل منها , حتى سكت فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل , ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش , هم أوسط العرب نسبا و دارا (وفي رواية ولكنا الأمراء و أنتم الوزراء) , و قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين , فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي و يد أبي غبيدة بن الجرّاح , وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم , أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر , اللهم إلا أن تسوّل إليّ نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن. فقال قائل من الأنصار (وهو حباب بن المنذر): أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب (أي أنا من عنده الحل لهذا الأمر) منا أمير و منكم أمير يا معشر قريش , فكثر اللغط و ارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف , فقلت ابسط يدك يا أبا بكر , فبسط يده فبايعته و بايعه المهاجرون , ثم بايعته الأنصار , ونزونا (وثبنا) على سعد بن عبادة , فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة؟ فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: و إنا
¥