ـ[محمود بن أحمد]ــــــــ[12 - 10 - 06, 06:44 م]ـ
فصل: ما جاء في ميراث النبي صلى الله عليه و آله و سلم و ما ترك من رهن و دين.
(1) درع النبي صلى الله عليه و آله و سلم
أخرج البخاري في صحيحه (2509) عن عائشة رضي الله عنها , أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم , اشترى من يهودي طعاما إلى أجل و رهنه درعه.
ومن طريق أنس (2508) رضي الله عنه قال: و لقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه بشعير , ومشيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير و إهالة سبخة , ولقد سمعته يقول " ما أصبح لآل محمد صلى الله عليه وسلم إلا صاع , و لا أمسى ".و إنهم لتسعة أبيات.
وأخرج أيضا عن عائشة (4467) قالت: توفي النبي صلى الله عليه و سلم و درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين. يعني صاعا من شعير.
قال الإمام النووي في شرح مسلم (ج6 ص45) و أما اشتراء النبي صلى الله عليه و آله وسلم من اليهودي و رهنه عنده دون الصحابة , فقيل فعله بيانا لجواز ذلك , و قيل لأنه لم يكن هناك طعام فاضل عن حاجة صاحبه إلا عنده , وقيل: لأن الصحابة لا يأخذون رهنه صلى الله عليه وسلم , ولا يقبضون منه الثمن , فعدل إلى معاملة اليهودي لئلا يضيق على أحد من أصحابه , و قد أجمع المسلمون على جواز معاملة أهل الذمة و غيرهم من الكفار إذا لم يتحقق تحريم ما معه , لكن لا يجوز للمسلم أن يبيع لأهل الحرب سلاحا و لا آلة حرب , و لا يستعينون به في إقامة دينهم , ولا بيع المصحف , و لا العبد المسلم لكافر مطلقا و الله أعلم.ا. هـ.
قلت (محمود) وقد شكك بعض أهل الفكر المزعومون بأن هذا الحديث لا يمكن أن يصح , إذ كيف يرهن النبي صلى الله عليه و آله وسلم درعه عند يهودي , و الجواب كما قال أهل العلم كما تقدم عند النووي رحمه الله و يضاف عليه ...
أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم ما كان أبدا ليدع أحد أن يعطيه عن غير ثمن و ما كان أيضا ليسأل الناس شيئا كيف و هو القائل , فيم أخرجه البخاري (2074) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم " لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه ".
وما فعله النبي صلى الله عليه و آله و سلم هو من باب الشراء بالنسيئة لكي يكفي مؤنة أهله و كانوا تسع نسوة , فما العيب في ذلك؟ و ما الضرر؟ وهذا تشريع منه صلى الله عليه وسلم بجواز معاملة أهل الكتاب و أهل الكفر , ثم إنه عليه الصلاة و السلام قد رهن درعه , و هو ما يوازي ثمن هذا الشعير أو أكثر منه , فلا يعتبر دينا كما قد يعتقد البعض. فلا نظن أن هناك داع لتكذيب و تضعيف ما صحّ عنه صلى الله عليه و سلم , بل و نتخذه أسوة حسنة , فما فعله النبي صلى الله عليه وسلم خير له من أن يسأل أصحابه شيئا , أو أن يعطيه أحد شيئا و هو الذي لا تحلّ له الصدقات لا الزكاة و لا التطوع , فليفهم اللبيب ذلك و ليرى عظمة النبي صلى الله عليه و آله وسلم في هذا التصرف و طاعته لربه جلّ و علا و توكله عليه و كفايته لأهله صلى الله عليه و آله و سلم.
(2) وقضى أبو بكر وعلي رضي الله عنهما كل ديون رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم
ففيم أخرجه البخاري (2296) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا و هكذا " فلم يجيء مال البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه و آله وسلم , فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر , فنادى من كان له عند النبي صلى الله عليه و آله وسلم عدة أو دين فليأتنا , فأتيته فقلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا و كذا , فحثى لي حثية فعددتها فإذا هي خمس مائة , وقال خذ مثليها.
قال الحافظ في الفتح (ج4 ص 678) " أن أبا بكر لما قام مقام النبي صلى الله عليه و آله وسلم تكفل بما كان عليه من واجب أو تطوع , فلما التزم ذلك لزمه أن يوفي جميع ما عليه من دين أو عدة , وكان صلى الله عليه وسلم يحب الوفاء بالوعد فنفذ أبو بكر ذلك " ا. هـ.
¥