تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالوجه الذي لا يعذر أحد بجهالته هو معرفة ما فيه من الأحكام الواضحة، والمواعظ الجلية المؤثرة، والحجج القوية البينة، والمعاني الكلية التي دلت عليها الآيات.

فمثلاً حين تتأمل كلام الله، ماذا تجد؟ تجد معاني عظيمة، منها: أنك تجد ملكًا له الملك كله، وله الحمد كله، أزِمَّةُ الأمور كلها بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه، مستويًا على عرشه، لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته، عالمًا بما في نفوس عبيده، مطلعًا على أسرارهم وعلانيتهم، منفردًا بتدبير المملكة، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيى، ويقدر ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده، دقيقها وجليلها، وصاعدة إليه، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ...

ثم تأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده، ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم، ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه، يذَكِّرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها، ويحذرهم من نقمه، ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه (7)، إلى غير ذلك من الأمور الواضحة الجلية.

فمثل هذا متيسر لكثير من الناس بحمد الله، لكنه يحتاج إلى شيء من التأمل، والنظر في بعض التفاسير النافعة المختصرة ..

كما أن في القرآن من الكنوز والأسرار، والمعارف والعلوم ما يختص به أهل العلم، كل بحسبه؛ فأهل اللغة يعرفون من دقائق إعرابه وبلاغته وأوجه البيان فيه ما لا يعرفه غيرهم، والفقهاء يعرفون من أحكام الحلال والحرام فيه، وأوجه الاستدلال، وأنواع الأحكام، ما لا يعرفه غيرهم .. وهكذا.

4 - الخطأ في الفهم ..

الوقوع في الخطأ عند تدبر القرآن وفهمه وارد، فإن الإنسان قد يفهم من الكلام معنى عامًا، ويكون المقصود ما هو أخص من ذلك، وقد يفهم منه معنى آخر غير المراد منه، وهذا قد وقع للصحابة رضي الله عنهم، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ)) فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} فَقَالَ: ((لَيْسَ ذَاك الْحِسَابُ، إِنَّمَا ذَاك الْعَرْضُ، مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُذِّبَ)) (8).

فتَمَسَّكَتْ عَائِشَةُ بِظَاهِرِ لَفْظِ الْحِسَابِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي سَتْرِهَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي عَفْوِهِ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ (9).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟! قَالَ: ((لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ {لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} بِشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ})) (10).

والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن قد يكون الخطأ بسبب تقصير في النظر والتأمل، ومعرفة ما يجب معرفته، أو بسبب هوى في النفس؛ فإن بعض الناس يكون في نفسه معنى المعاني، أو يعتقد شيئًا من الاعتقاد، ثم يطلب ما يدل عليه من القرآن، فيفهم الآية على غير المقصود منها؛ لتوافق ما نفسه واعتقاده، والواجب على المسلم أن يكون همه طلب معرفة مراد الله تعالى ومقصوده، ولا يكون همه البحث عما يوافق ما في نفسه؛ فإن الفهم الصحيح "يمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى، وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق، وترك التقوى" (11).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير