تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن الحديث عن فهم القرآن وتدبره ليس معناه أن المسلم يجعل من نفسه مفسرًا، يتكلم في معنى كل آية، دون نظر في تفاسير أهل العلم، وفهمها الفهم الصحيح؛ لأن التفسير معناه بيان مراد الله، وهذا مقام خطير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)) (12)، وقال أبو بكر الصديق: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم؟ "، وعن ابن أبي مليكة قال: سأل رجل ابن عباس عن: {يوم كان مقداره ألف سنة} فقال له ابن عباس فما: {يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}؟ فقال الرجل: إنما سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس: "هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما"، فكرِه أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم، وعن عبيد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال: "إذا حدثتَ عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده"، وعن إبراهيم قال: "كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه"، وقال شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: قال الشعبي: "والله ما من آية إلا وقد سَأَلتُ عنها، ولكنها الرواية عن الله"، وقال مسروق: "اتقوا التفسير؛ فإنما هو الرواية عن الله".

فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف تدل على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به، أو أن يقولوا فيه برأيهم، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعًا فلا حرج عليه (13).

5 - الاختلاف في الفهم والتفسير ..

قد يقع اختلاف في فهم الآية، وتجد عددًا من الأقوال في كتب التفسير، فلا تدري أي المعاني هو المراد، فتظن أنك لم تفهم المقصود من الآية، ولإزالة هذا الإشكال لا بد أن نبين أمرين مهمين:

الأمر الأول: الفهم العام للآية لا يضر معه الاختلاف في بعض التفاصيل.

أي أنك قد تكون فاهمًا الآية في الجملة، لكن لا تفهم معنى هذه الكلمة، أو لا تدري أي المعاني أصح، فهذا لا إشكال فيه، ويكفيك المعنى العام، وبخاصة إذا كانت معرفة المعنى الخاص مما لا يترتب عليه فائدة كبيرة، ومن أمثلة ذلك ما رواه أَنَس قال: "كُنَّا عِنْد عُمَر وَعَلَيْهِ قَمِيص فِي ظَهْره أَرْبَع رِقَاع, فَقَرَأَ: {وَفَاكِهَة وَأَبًّا} فَقَالَ: هَذِهِ الْفَاكِهَة قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا الْأَبّ؟ ثُمَّ قَالَ: مَهْ نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّف" وفي لفظ آخر عَنْ أَنَس أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر يَقُول: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا} الْآيَة، إِلَى قَوْله {وَأَبًّا} قَالَ: "كُلّ هَذَا قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الْأَبّ؟ " ثُمَّ رَمَى عَصًا كَانَتْ فِي يَده، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا لَعَمْر اللَّه التَّكَلُّف، اِتَّبِعُوا مَا بُيِّنَ لَكُمْ مِنْ هَذَا الْكِتَاب، وَمَا لَا فَدَعُوهُ" (14).

أما إذا ترتب على فهم المعنى الخاص أمر علمي فلا بد من معرفته، كما في قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}، فالمعنى الإجمالي للآية أن المطلقة تعتد بثلاثة أقراء، لكن اختلف أهل العلم في القرء ما هو؟ أهو الحيض أو الطهر، وهنا إن كان عندك معرفة بالفقه، وقدرة على الترجيح فأنت تنظر في أقوال أهل العلم، وتتعرف على أدلتهم، وإلا سألت من تثق في علمه.

الأمر الثاني: التفريق بين اختلاف التنوع، واختلاف التضاد.

اختلاف التنوع هو أن يكون لفظ الآية محتملاً لجميع المعاني المذكورة، ولا بأس أن تدل على الجميع، كقوله تعالى: {كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة} فبعضهم يقول: القسورة الرامي أي الصائد الذي يرمي الصيد، وبعضهم يقول هو الأسد، فيجوز أن يكون المراد هذا، ويجوز أن يكون المراد هذا.

ومثاله أيضًا قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} [سورة فاطر 35/ 32]، فبعض أهل العلم يفسر السابق بأنه الذي يصلي في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثناء الوقت، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى اصفرار الشمس، وبعضهم يقول: السابق هو المحسن بأداء الصدقة والزكاة، فيؤدي الواجبات والمستحبات، والمقتصد هو المقتصر على الواجب وهو الزكاة، والظالم لنفسه هو آكل الربا، أو مانع الزكاة .. وهكذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير