تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كثيرًا ما يختم الله بعض الآيات باسم من أسمائه، وعند التأمل تجد علاقة واضحة بين المعنى الوارد في الآية، ومعنى الاسم الذي وردت فيه، فآية الرحمة مختومة بأسماء الرحمة، وآيات العقوبة والعذاب مختومة بأسماء العزة والقدرة والحكمة والعلم والقهر، ويحكى أن أعرابيًا كان يستمع لقارئ، فقرأ قوله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [سورة المائدة 5/ 38]، فأخطأ القارئ فقال: والله غفور رحيم، فاستنكر الأعرابي ذلك، ولم يقتنع بأن الله أنزل هذا، فاستدرك القارئ فوجد أنه قد أخطأ، فأعادها على الصواب، فقال الأعرابي: الآن نعم، عز فحكم فقطع.

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)} [سورة البقرة 2/ 32]، فلما اعترف الملائكة بعجزهم، وقصور علمهم أمام علمه وحكمته ختم الآية بما يناسب ذلك.

وقوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}، وقوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}.

وقوله: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17)} [سورة النساء 4/ 17]، فختم جل وعلا هذه الآية بهذين الاسمين ليبين أنه يعلم الصادق في توبته، والذي يكون في قلبه خوف ورغبة ورهبة، ولكن الشيطان أغواه، والنفس الأمارة بالسوء زينة له، فوقع فيما يغضب الله، ممن كان كاذبًا، فليس في قلبه شيء من ذلك، وأنه حكيم في توفيقه للتوبة من يستحقها، ويبادر إليها إذا تهيأت له أسبابها، وحرمانه من لا يستحقها؛ لأنه وإن سنحت له فرصة التوبة لم يبادر لها، كما قال تعالى: {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم، ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}

6 - التفكر في لوازم المعنى الذي فهمته.

إذا فهمت معنى الآية فهمًا صحيحًا فتفكر في الأمور التي يتوقف عليها هذا المعنى، ولا يحصل بدونها، وما يشترط لها، وكذلك تفكر فيما يترتب على هذا المعنى، وما يمكن أن يتفرع منه، وينبني عليه.

ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ... } فإيجاب الوضوء يستلزم طلب الماء، والسعي في حصوله، من شراء وغيره، وهذه أفعال معتادة للإنسان قد يفعلها وهو لا يشعر بثوابها، ولكن إذا تأمل أنها وسيلة للوضوء ونوى الثواب فيها من الله فإن الله يثيبه، فيثيبه على الشراء، وعلى سعيه في الحصول على الماء.

وقوله تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} فهذه الآية تأمرنا أن نحكم بين الناس بالعدل، ويدخل في هذا صغير الأمور وكبيرها، فكل شيء أردنا أن نحكم فيه بين اثنين أن نعدل، والعدل مبني على العلم، فلا يمكن أن تحكم بالعدل وأنت جاهل، فالآية تأمر إذًا بالعلم في كل أمر أردت أن تحكم فيه، فإن كان الحاكم عامًا فلا بد أن يكون عنده من العلم ما يؤهله للحكم، وإن كان الحاكم خاصًا في بعض الأمور كالشقاق بين الزوجين مثلاً، فينبغي أن يكون عارفًا بما يصلح أن يحكم فيه بينهما، ويكون عنده من المعرفة بمشاكل الأزواج، ونفسياتهم، وطرق حل المشاكل الزوجية ما يعينه على ذلك.

وقوله تعالى: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34)} [سورة النمل 27/ 34]، فالله صدق بلقيس وهي كافرة لما قالت كلمة حق وصدق، حيث قالت: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة} قال الله تعالى مصدقًا لها في قولها: {وكذلك يفعلون}، فنفهم من هذا أن من جاء بالحق قبلنا منه ذلك، ولو كان فاجرًا، أو كافرًا.

قال الشاعر: لا تحقرن الرأي وهو موافق ... حكم الصواب إذا أتى من ناقص

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير