للقرآن ولا يحكم بكفره وإن كان الرّاجح خلافه كما سبق.
أمّا كفر الميرزا غلام أحمد فليس لقوله هذا بالتّحديد, وإنّما بزعمه أنّه المسيح المنتظر وغيره من أقواله الكفريّة, وممّن ردّ عليه وفنّد أقواله وآراءه الشّيخ الإمام محمّد رشيد رضا رحمه اللّه وكفّره, وردّ عليه في مقالات كثيرة ترجمت ونشرت في الهند وانتشرت, إضافة إلى ردوده عليه في المنار منذ بداية أمره, فغضب ميرزا غلام أحمد عليه, فكتب جوابًا هجا فيه الإمام محمّد رشيد رضا وتوعّده بقوله:"سيهزم فلا يُرى", فسخر منه وتحدّاه, وزعم أنّ هذه نبوّة من اللّه فيه وادّعى أنّ الإمام محمّد رشيد رضا يموت قريبًا, فكان من أمر اللّه تعالى أن عاش الإمام محمّد رشيد رضا طويلاً وهلك الميرزا في حياته.
وها هنا سؤال يطرحه الكثير من المعترضين ويحتار فيه الكثير, وهو قولهم كيف تجمعون بين نفيكم لمسألة صلب المسيح وتسفّهون أصحاب هذا القول, ثّم في الوقت نفسه تدّعون أنّ شخصًا آخر صُلب؟ فأيّ القولين قولكم؟ هل حادثة الصّلب لم تقع؟ أم أنّها وقعت لشخص آخر؟.
والجواب على هذا السّؤال سهل وبسيط, فكلّ ما عمدناه لحدّ الآن هو نفي صلب المسيح عليه السّلام وإبعاده كامل البعد عن هذه الحادثة المزعومة, وما عدا هذا القول فإنّ المسألة تحتمل أمرين: فإمّا أنّ حادثة الصّلب لم تقع أصلاً, وإمّا أنّها وقعت والمصلوب شخص غير المسيح. ومهما اعتقد المسلم من قول فلا يضرّ, وهذا يكفي. أمّا إذا أخذنا الطّريقة الجدليّة لمناقشة النّصارى والاعتماد على الموروث التّاريخي عندهم وهو الكتاب المقدّس, فإنّ الرّأي الأوّل يكون بعيدًا, والثّاني هو الأقرب والميل إليه شرعًا أسلم لأنّه وجه قويّ في تفسير قوله تعالى:"ولكن شبّه لهم".
ويمكن استقراء نصوص الكتاب المقدّس وإثبات أنّ المصلوب المذكور ليس هو المسيح جزمًا وعندي أكثر من عشرين دليلاً على هذا.
وصلت لحدّ الآن إلى أنّ نظريّة إلقاء الشّبه هي أصحّ وأسلم ما في المسألة, وهي إضافة إلى أنّه يمكن الاستدلال عليها من الكتاب المقدّس الموجود حاليًا, إلاّ أنّ بعض الأناجيل الغير المعترف بها عند النّصارى كإنجيل برنابا يذكر هذه النّظريّة بطريقة لا مجال للشّكّ فيها أو التّأويل.
وإذا اعتمد الدّاعية على أنّ الذي صلب هو شخص آخر غير المسيح, فإنّه يمكنه بذلك مسايرة سرد راويات الكتب المقدّسة وتفنيدها جزءاً جزءًا ممّا يساعد على التّشكيك في عقيدتهم, والتّشكيك –كما هو معلوم- أوّل مراحل البحث عن الحقيقة, بل حتّى مسايرتهم في التّسليم لهم بأنّ الذي مات على الصّليب هو المسيح ثمّ الوصول إلى طريق مسدود يدفع ذلك إلى التّشكيك في كبرى عقيدتهم وإيمانهم.
ولو قيل إن سلّمتم بأنّ الذي صلب ومات على الصّليب هو شخص آخر غير المسيح, وتزعمون بأنّ المسيح رفع قبل عمليّة الصّلب, فكيف تفسّرون ظهور المسيح بعد عمليّة الصّلب لبعض تلامذته؟ والجواب أنّ مصدر هذا الكلام لم يصحّ عندنا إلاّ فيما سلّمناه للنّصارى من إقرارنا لكتابهم ولذلك فهذه لا نسلّم بصحّتها, وعلى فرض صحّتها فليس فيها دليل على إقامته من الأموات, وما رأته مريم المجدلية وغيرها قد يكون ممّا حصل لهم من خيالات وأوهام ظنّت أنّها رأت المسيح عليه السّلام وهذا ليس ببعيد ولا مستبعد, بل ويمكن الاستدلال به من الكتاب المقدّس أيضًا.
وأسأل اللّه تعالى في ختام هذا المقال المتواضع أن يوفّقني للكلام قريبًا في موضوع:"مناهج المسلمين في تناول عمليّة الصّلب بحثًا ونقدًا" باذن اللّه تعالى.
واللّه أعلم وصلّى اللّه على محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم