قولك: (إن مما ابتلينا به في زماننا هذا هو النظر للقائل دون النظر للمقولة)
بل ابتلينا بقوم يتبعون عقولهم وآراءهم دون النظر إلى أقوال من سبقهم من سلفهم الصالح.
فتراهم يأتون بأقوالٍ لم يسبقوا إليها، فيُحدثون في دين الله بآرائهم!!
بل الأدهى من ذلك والأمرّ؛
أن تكون هذه الأقوال التي ينتصرون إليها هي بعينها أقوال الجهمية أعداء السنة والتوحيد، التي أنكرها عليهم أهل السنة قديمًا.
فلم يسعهم ما وسع السلف من قبول ما قبلوه، ورد ما ردوه.
نعم؛ إن كانت المسألة مما قد اختلف فيها السلف الصالح،
فلك أن تختار بعد النظر والاجتهاد أقرب الأقوال إلى الكتاب والسنة،
ولا تحدث قولاً آخر لم تسبق إليه،
وكذلك لا تختار القول الذي أنكره أهل السنة وبدَّعوا من قال به،
وإن كان بدا لك أنه الصواب،
بل عليك أن تتهم رأيك لرأي السلف الصالح إن خالفوك،
قولك: (فتجد كثيرا من طلبة العلم عند نظرهم في أي مسألة من المسائل أول ما يتبادر إلى أذهانهم هو من القائل)
نعم لا بد من ذلك، حتى لا نحدث في دين الله ما ليس منه، ولا نقول ما لم يُقل،
فإن أئمتنا أئمة الهدى والسنة قد علمونا ذلك،
- قال الإمام أحمد رحمه الله: إياك وأن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.
- وقال: عجب لأصحاب الحديث تنزل بهم المسألة فيها عن: الحسن، وابن سيرين، وعطاء، وطاووس حتى عدَّ عدة فيذهبون إلى أصحاب الرأي فيسألونهم؛ ألا ينظرون إلى علمهم فيتفقهون به. [طبقات الحنابلة (1/ 238)]
- وقال الأوزاعي رحمه الله: قف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكُفّ عما كفّوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصَّالح، فإنه يسعك ما وسعهم.
قولك: (فإن كان إماما معتبر سلموا لمقولته تسليما مطلقاً
وإن كان القائل لا يروق لهم أعموا أبصارهم وردوا مقولته دون تفكر وتأمل في البحث عن الصواب)
الكلام في خصوص أثر مجاهد رحمه الله في إجلاس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش، فلننظر بتأمل فيما تقول:
اختلفنا معك في إثبات أثر مجاهد رحمه الله
فتحاكمنا إلى من هو أعلم منا ومنكم باتفاق الناس سنيهم ومبتدعهم
فوجدنا الأئمة المعتبرين قالوا بأثر مجاهد وتلقوه بالقبول والتسليم،
فسلمنا لهم القول ولم نخالفهم، [ومن نحن حتى نخالف هؤلاء العلماء؟!]
(فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري، والأعمش، وإسرائيل، وعبدالرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرج الهدى، ومصابيح الدُّجى، قد تلّقوه هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره و نتحذلق عليهم؟! بل نؤمن به، ونكل علمه إلى الله عز وجل). قاله الذهبي
ووجدنا أول المخالفين لنا في أثر مجاهد: الترمذي الأعجمي وكان جهميًا مبتدعًا (فلم يروق لنا اتباعه ولا القول بمقولته في رد أثر مجاهد ونكارته)
فأي صواب يكون مع هؤلاء الجهمية المخالفين لأهل السنة والجماعة،
وأي نظرٍ في مسألة قد أحكمها أهل السنة وقالوا بها وتلقوها بالقبول،
لا أقول في عصر السلف الصالح فقط؛ بل تتابع عليها أهل السنة في كل مكان وزمان، كما سبق ذكر أقوالهم.
قولك: (وهذي لعمري بلية وعمى عن اتباع الحق)
بل العمى عن التباع الحق يكون في رد قول السلف الصالح ومن تبعهم من أهل السنة خِلال هذه القرون المتتابعات وتسفيه آرائهم، واتباع غير سبيلهم من أهل البدع والأهواء.
-قال الآجري رحمه الله في ["الشريعة" (1/ 301)]: علامة من أراد الله به خيراً سلوك هذه الطريق: كتاب الله، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنن أصحابه رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان, ومن كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد، إلى آخر ما كان من العلماء، مثل: الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والقاسم بن سلام، ومن كان على طريقتهم، ومجانبة كل مذهب لا يذهب إليه هؤلاء العلماء. اهـ
فنحن اتبعناهم فيما ذهبوا إليه،
ولم نتبع الجهمية في ردهم لأثر مجاهد وطعنهم فيه
فمع من سيكون الحق؟!!
قولك: (وهو خلل كبير نتج عنه: أننا أصبحنا نصنف الناس بين جهمي ومعتزلي من أجل أنه قال بقول قال به أحد أصحاب البدع)
قد قلت في أول كلامك: (إن مما ابتلينا به في زماننا هذا هو النظر للقائل دون النظر للمقولة)
والله نحن الذين ابتلينا في هذا الأزمان!!
¥